الجرائم الارهابية لا تقاس بعدد الضحايا فقط ولكن أيضا بحجم البشاعة وما تعكسه في طياتها من عقلية بربرية همجية ومعادية للبشر وللحياة والتعايش بين الأمم والشعوب، ومن هنا خطورة ما حدث نهاية الاسبوع في الشعانبي حيث عاش التونسيون مرة أخرى على وقع جريمة اغتيال راعي الاغنام محمد القريري الارهابية، التي لا تقل إثما ودناءة ووحشية عن جريمتي اغتيال الشقيقين مبروك وخليفة السلطاني.. جريمة الشعانبي أعادت للاذهان حقيقة منسية وهي أن خطر الارهاب لا يزال بيننا وأن الفلول الارهابية المتخفية في جحورها تنتظر الفرصة السانحة لامتصاص دماء الابرياء وترويع السكان وترهيبهم، واعتماد أشنع الطرق لتشويه الضحايا وقطع أطرافهم وتوجيه رسائلها المشفرة للاهالي لا سيما سكان المناطق المتاخمة للشعانبي التي تصر على البقاء وإعمار أراضيها وترفض استيطانها من أعداء البلاد والعباد.. فلا شيء يمكن أن يحبط مخططات الجماعات الارهابية ويسقط حساباتها غير تكريس ثقافة الحياة والانتصار لحق المجتمعات في العلم والمعرفة والازدهار وقطع الطريق أمام تجار الدين وسماسرة الاوطان.. الواقع أيضا، بل المؤسف، أن الصمت الرسمي الذي رافق الجريمة المروعة لا يمكن أن نجد له من تبرير باستثناء أنه قد يتنزل في اطار المشهد العام في البلاد وهو مشهد محاط بالخيبات والقتامة والاصرار على الانسياق الى فخ تعويم القضايا المصيرية وتغليب سياسة النعامة والهروب من التقييم والمحاسبة والمساءلة التي لا يبدو أنها تجد طريقها الى عقلية صناع القرار في البلاد، المنصرفين الى صراعات انتخابية مسعورة سابقة لأوانها لا تنتهي... ولا شك أن في ظروف وملابسات الجريمة التي تأتي أوّلا، فيما كانت كل الانظار متجهة الى فعاليات كأس العالم وما رافقها من جدل ومن حرب كلامية واتهامات للمسؤولين السياسيين والرياضيين والمنظمين بالافلاس على خلفية الهزيمة المهينة التي منيت بها تونس في روسيا، ولكن - وهذا الاخطر - تأتي فيما كانت تونس تطلق في رحاب مدينة الثقافة الفاخرة «العقد العربي للحق الثقافي» تحت مظلة اليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بما يدفع جديا للتساؤل عن موقع سلاح العقل والفكر والثقافة والابداع في مجتمعات نصفها من فئة الشباب الذي تتقاذفه التناقضات وغياب الآفاق وانعدام البدائل الكفيلة بالاستعاضة عن الخيبات المتتالية بما يمكن أن يؤسس لواقع جديد يلائم طموحاته وتطلعاته الكثيرة ويقطع مع خيارات المفاضلة بين تجار الدين وتجار الاوطان وبين سفن الموت وشبكات الارهاب... الواقع أيضا أنه وفي خضم ما تجود به المواقع الاجتماعية من ردود افعال الى حد الهذيان ومن جدل بشأن الازمة السياسية المستفحلة في البلاد وتعمق الهوة بين حكومة يوسف الشاهد والمنظمة الشغيلة وبقية الاطراف المعنية بوثيقة قرطاج 2 المعلقة، ما يستوجب وأكثر من أي وقت مضى، كسر الصمت المقيت الذي يتخفى خلفه صناع القرار، وإقناع الرأي العام بوجود ربان على متن السفينة قادر على الخروج بها من العاصفة وإعلان ما ينتظره التونسيون: حكومة انقاذ وطني بعدد محدد من الحقائب قادرة على نقل البلاد الى بر الأمان... إلى صناع القرار... صوموا عن الكلام ان شئتم، ولكن دعونا نرى إنجازات تتحدث بدلا منكم...