*الانتقال الديمقراطي في مواجهة المشروطية السياسية.. الأمن والإرهاب.. ودور المؤسسات المالية والمنظمات الدولية *المعارضة العربية تشعر بالخذلان وخيبة الأمل من الموقف الأمريكي *الفهم الأمريكي قام على أساس سياق إقليمي واستراتيجي تغيرت عناصره في المنطقة العربية *العوامل الداخلية في تونس أشد فاعلية استنادا إلى طبيعة الديمقراطية التي لا تستورد *هل يكفي الإقرار بثبوت العامل الخارجي في سياقات تتعولم فيها السياسة ويعاد صياغة مفهوم سيادة الدول لنجد تفسيرات موضوعية ودقيقة لما حدث في بلداننا منذ انطلاق" الثورات العربية"؟ الحمامات- الصباح افتتح الدكتور عبد الفتاح ماضي والدكتور مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس صباح أمس بمدينة الحمامات أشغال فعاليات المؤتمر السنوي السابع لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي، والذي يبحث هذه المرة في موضوع "العامل الخارجي وإشكاليات الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية بعد عام 2011 ". وقد تم خلاله طرح جملة من الأسئلة مثل: ماهي أدوار القوى الإقليمية والدولية؟ وماهي استراتيجياتها والموارد التي استندت اليها وأشكال أثرها (التدخلات العسكرية، الضغوطات، الابتزازات، التمويلات والمساعدات...؟ ما أهمية التحالفات والتباينات الحاصلة بين هذه القوى ذاتها؟ كيف أمكن لهذه العوامل أن تتجسد على ارض الواقع خصوصا في ظل عوامل داخلية لا تقل تعقيدا عنها؟ ما أهمية المؤسسات والمنظمات الدولية المانحة (إعادة الاعمار) في رسم ملامح وقسمات الأوضاع الحالية ومآلاتها في ظل الحديث المستفيض عن ضغوطات وإملاءات تمارسها هذه المنظمات من خلال تنشيط الوساطة تارة والفيتوات طورا آخر. يأتي مؤتمر "العامل الخارجي وإشكاليات الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية بعد عام 2011" ضمن الدورة السابعة لسلسلة المؤتمرات السنوية حول قضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي. وقد تناولت الدورات الست السابقة موضوعات: " الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتجاهات"، والإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: مسائل المواطنة والدولة والأمة"، و"المسألة الطائفية وصناعة الأقليات في المشرق العربي الكبير"، و"العنف والسياسة في المجتمعات العربية"، و"الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، "والجيل والانتقال الديمقراطي". أطروحتان كبيرتان تضيقان فسحة السؤال العلمي ويلتئم هذا المؤتمر حسب ما ورد في الكلمة الافتتاحية للدكتور مهدي مبروك رئيس فرع تونس بالجمهورية التونسية، للمرة الثالثة على التوالي بعد أن قرر المركز عقده بشكل دائم في تونس تقديرا لهذه البلاد التي حافظت على انتقالها الديموقراطي وذهبت أشواطا مهمة في ترسيخه لتظل استثناء دالا. وقال:" لا شك أن ما حدث خلال تلك الأشهر الحاسمة من سنتي 2010 و2011 وما رافقها إلى حد الآن مؤامرة دبرت بليل عربي، وسهرت على احكامه غرف مغلقة هيأت المناخ وجيشت المشاعر وانتقت بعناية فائقة الفاعلين ووزعت علي البعض منهم أدوار البطولة والبعض الآخر أدوار الضحية، هذا حسب بعض الأطروحات الرائجة طبعا، ولا شك أيضا في مقابل هذه الأطروحة أن ما حدث ويحدث الآن كان نتيجة خالصة لإرادة الشعب من خلال صفوة ما اختارهم من مناضلين وناشطين وزعامات وقيادات صنعت تلك الأحداث "صناعة محلية خالصة" بفضل إدارتها وحكمتها ونضالها غير عابئة بما كان يحيط من حولها، مُعوّلة على تلك العزائم والقدرات الهائلة لهؤلاء الفاعلين الداخليين... بين هاتين الأطروحتين الكبيرتين والقصويين، يبدو ان فسحة السؤال العلمي تضيق بفضل ما ترسخ من قناعات وتصورات مسبقة تسحب أصلا منا امكانية التفكير خارج هذين الصندوقين اللذين يتبرعان بالإجابة عن أسئلة لا يعبر هذا التقابل عن مجرد حس مشترك يشج وعي الناس وحتى نخبهم، بل يقسم أيضا الكثير من الكتابات الأكاديمية التي نشأت في حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية تحديدا معضلة الخارج والداخل فيما شهدته بلداننا العربية منذ عام 2011". وأضاف رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات فرع تونس: "تتأكد أهمية انكباب دراسة العامل الخارجي وأثره فيما حدث ويحدث حاليا اذا ما استحضرنا أن موجات الانتقال الديموقراطي على تعثرها وارتباكها وارتدادها أحيانا تختلف عن غيرها من الموجات التي عرفتها أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وغيرها وهي التي نشأت في سياق صراعات باردة أحيانا ومستعرة أحيانا أخرى بين معسكرين استفردا بالهيمنة على العالم آنذاك. فكانت الديموقراطية بالمعنى الليبيرالي تحديدا إحدى مجالات الصراع وأدواته حتى سوغت في الكثير من الحالات وفي سياقات مختلفة وتجارب متعددة التدخل العسكري لقلب أنظمة وتركيز أخرى تحت مسميات عديدة لعل أهمها "الشرعية الدولية". من الجيد ان يعقد المؤتمر في تونس التحديات والتي تبقى النموذج وعبر الدكتور عبد الفتاح ماضي ممثل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن عميق الاعتزاز بما يقدمه فرع تونس وشكر الدكتور المهدي المبروك والفريق العامل معه على المجهود الكبير الذي يبذلونه من اجل إنجاح هذه المؤتمرات وخاصة هذا المؤتمر "الذي سنتعرض خلاله الى الدور الخارجي في التأثير على مسارات الانتقال الديمقراطي والإشكاليات التي رافقته، ومن الجيد ان يعقد في تونس التي تواجه عديد التحديات ولكنها تبقى النموذج الملهم لبقية البلدان العربية لمواجهة عقبات التحول الديمقراطي بعد الثورات". وبين الدكتور ماضي: "شكلت لجنة علمية لهذا المؤتمر، أعدت ورقة مرجعية تضمنت الخلفية العلمية والبحثية لموضوعه، وحددت محاوره، وكذا قواعد المشاركة فيه. وتلقت اللجنة عددا كبيرا من المقترحات البحثية، قبلت منها 91 ً مقترحا. وتلقت اللجنة 75 ورقة بحثية، أقرت منها 21 ورقة... بعد إجراء عملية التحكيم العلمي التي شارك فيها أكثر من 40 محكما من الأساتذة والمختصين العرب ستعرض هذه البحوث في مؤتمرنا هذا على مدى يومين في سبع جلسات". جلسات المؤتمر غطت الجوانب النظرية للموضوع بما في ذلك الأدبيات الأساسية ذات الصلة وكذلك الحالات التطبيقية والمقارنة التي تخص أدوار القوى الدولية والإقليمية، فضلا عن قضايا مثل المشروطية السياسية، وقضايا الامن والحرب على الإرهاب، وقضايا الاقتصاد الدولي وأدوار المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية، وذلك في أبعادها المتصلة بالانتقال الديمقراطي. جلسات اليوم الأول للمؤتمر أثثها محمد سعدي الذي تحدث في موضوع الاتحاد الأوروبي والمشروطية الديمقراطية: اختبار ما بعد الربيع العربي، والدكتور عبد الفتاح ماضي وقد حاضر في موضوع: "العوامل الخارجية في أدبيات الانتقال الديمقراطي وخبرات الثورات العربية. الخطاب المتبع يعتمد المصلحة الأمريكية قيمة مطلقة وتناول الدكتور عز الدين حميمصة "دور مراكز البحث في التأثير في الموقف الامريكي من مسارات الانتقال نحو الديمقراطية في البلدان العربية: النظريات المحددة والمسارات"، وقدم قراءة في الخطاب الأمريكي الداخلي سواء لدى صناع القرار او المراكز المؤثرة في رسم السياسات الخارجية الأمريكية، وأكد: "الظاهر ان الخطاب المتبع يعتمد المصُلحة الأمريكية قيمة مطلقة، أما الباقي فلا يعدو كونه مقاصد إجرائية، وهو ينظر الى المنطقة العربية على انها مجال لهذه المصالح وربطها بالولاياتالمتحدة ارتباطا أشبه ما يكون بعلاقة المستعمر بالمستعمر بدلا من علاقة الشركاء، وهكذا تحولت المواقف لدى صناع القرار الأمريكي من الابتهاج والتعاطف إلى التحريض ضد فعاليات الربيع العربي". وإجابة عن أسئلة الحضور، صرح الدكتور محمد السعدي (مغربي) بأنه لا يجد أي إشكال أو إحراج في اقتراح مواضيع التطرف او الجندرة او العدالة الانتقالية "لأننا نحتاج الى الكثير من البحوث والمواكبة، رغم ان بعض المواضيع تُرافق طرحها إشكالات وحساسيات مثل التطرق الى موضوع وصول الإسلام السياسي الى الحكم، وانا لا أرى انه توجد وصاية أو سد منافذ الوصول الى سدة الحكم، ولكن صعود الإرهاب وتكاثره جعل الاتحاد الأوروبي مثلا يغير سياسته تبعا للوضع الكارثي للبلدان العربية". الجلسة الثانية تناولت موضوع "سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه الثورات العربية". وحاضر خلالها محمد الرشقاوي عن: الانتفاضات العربية والموقف الأمريكي: أخلاقيات السياسة أم استراتيجيات المصالح؟، ورضوان زيادة عن: السياسة الأمريكية في سوريا من بداية الثورة حتى السيطرة الروسية (2011 - 2018) وفوزية الفرجاني عن: دعم الانتقال الديمقراطي في تونس: دراسة في السياسة الأمريكية (2011 – 2016) وتوصلت هذه الباحثة التونسية في ورقتها البحثية الى ان " إدارة أوباما تبنت في دعم الانتقال الديمقراطي في تونس نموذجا نظريا للتحول الديمقراطي، تداخل فيه المعطيان السياسي والاقتصادي وتكاملا، ولكن سياستها العلمية أثبتت ان بعض الوعود لم تتحقق. واتضح أن مجالات الدعم وطرقه وأدواته والأطراف الفاعلة فيه متنوعة وان المجال الأمني كان ذا أولوية، وهو ما دل ّ على أن هذه السياسة ترددت بين الدوافع المثالية المتمثّلة في تأييد الديمقراطية، وأولويات السياسة الواقعية الساعية لتحقيق المصالح الإستراتيجية الثابتة ". وتبين للباحثة كذلك أن هذه السياسة محدودة المقبولية والفاعلية بسبب جملة من العوائق البنيوية والإستراتيجية. ولهذا بات من الواضح أن العوامل الداخلية في تونس أشد فاعلية، وذلك استنادا الى طبيعة الديمقراطية التي لا تستورد، وإنما هي مسار شائك وعسير يعاش في فضاء تغطي تفاعلاته الداخلية على غيرها من العوامل. طموحات توسعية وبؤر توتر وصراع سياسي جاء هذا في مداخلة الدكتور محمد خالد الشرقاوي من جامعة جورج ميسن في واشنطن الذي قال: "إن دراسة موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من الانتفاضات العربية تقتضي تفكيك العامل الخارجي، ليس من منطلق ما هو مرتقب أو مفترض من الداخل الى الخارج فحسب، بل أيضا في اتجاه معاكس من الخارج الى الداخل أي من رؤية واشنطن ذاتها وبمنطق مراعاة مصالحها الإستراتيجية.. ومن العبث التعويل على المسؤولية الأخلاقية لدى الولاياتالمتحدة في عهد ترامب لدعم مسيرة الانتقال الديمقراطي العربي وذلك لثلاثة أسباب اهمها، عدم تغير موقف ترامب من الانتفاضات العربية عندما قال في إحدى تغريداته "الربيع العربي لا يؤدي الى نتائج إيجابية". وإدارة أمريكا ظهرها لثقافة حقوق الإنسان، وتقليصها للمساعدات الخارجية بنسبة الثلث. وتواصلت الجلسات على أمل ان يحفز المؤتمر الباحثين العرب على الاستمرار في البحث في القضايا ذات الصلة بمسألة الديمقراطية والتحول الديمقراطي، والمساهمة في تقديم معالجات وإضافات بحثية جديدة.