أثارت زيارة قيادات ندائية لسفارة السعودية بتونس مواقف متباينة، ومن أبرزها اتهام عدد من المحللين السياسيين للندائيين بالتحريض عن حركة النهضة في أعقاب الموقف الذي عبر عنه رئيسها راشد الغنوشي من قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. اتهام يأتي في سياق وضع سياسي متأزم نتيجة الخلافات الداخلية لنداء تونس والتي عجز رئيس الجمهورية على إيجاد الحل الأمثل لها بعد انتصاره لشق نجله حافظ قائد السبسي في صراعه الشخصي ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد. فهل انتهى الأمر فعلا إلى التحريض على الحركة في سفارة أجنبية؟ تصفية حسابات هكذا مسألة أجاب عنها المحلل السياسي نور الدين الختروشي في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» بالقول: «هرعوا إلى سفارة «خادم الحرمين» ليس من أجل مصلحة البلاد، بل للنفخ في مزامير الحرب على حركة النهضة مستغلين موقفا للغنوشي، قد لا يستقيم سياسيا، ولكنه بالنهاية مشرف ومشرف جدا تاريخيا، فالندائيون لا حدود لهم في خصومة سوى حد الانتقام والتشفي وإن كان بأدوات الاستنصار بالخارج». من جهته علق الكاتب والمحلل السياسي منذر بالضيافي قائلا «الهرولة للسفارات لتصفية حسابات داخلية مدان وغير مقبول… فضيحة». وفِي واقع الأمر، لم يكن الأمين العام للنداء سليم الرياحي وحافظ قائد السبسي أول الملتقين بالسفير السعودي حيث سبقهما المستشار الأول لرئيس الجمهورية والذي كان التقى السفير السعودي على عشاء خاص بأحد المطاعم منذ نحو أسبوعين. الغنوشي يتحدث وإذ تبدو مسألة التحريض على النهضة أمرا غير ثابت بالنظر الى غياب توضيحات من النداء، إلا أنها تبقى احتمالا واردا، ويمكن استقراء ذلك من موقف رئيس الحركة الذي تصدر أمس أبرز عناوين وكالة الأنباء «الأناضول» التركية حيث جاء فيه أن راشد الغنوشي «يأسف لتحريف بعض الأطراف كلامه بهدف بث الفتنة بينه وبين رئاسة الجمهورية، وبين الحركة والمملكة العربية السعودية، معتبرا ذلك أمرا غير مسؤول وغير أخلاقي ولا أفق له». واعتبر الغنوشي أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي كان «ضحية عنف سياسي ضد الصحفيين»، معربًا عن أسفه إزاء محاولات تحريف حديثه بشأن الواقعة. وأضاف «الجميع تجنّد بما في ذلك الأشقاء في السعودية لإدانة قتل خاشقجي والبحث عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة» مبرزا أن «العلاقات مع السعودية جيدة وأخوية». وتابع «نؤكد هنا احترامنا للمملكة العربية السعودية التي تربطنا بها علاقات جيدة وأخوية ونحن نتمنى لها كل الخير». النداء ينفي فِي رده على ما تقدم، نفى سفيان طوبال رئيس كتلة نداء تونس وأحد الضيوف الذين التقاهم سفير السعودية ما قيل بشأن التحريض، وأكد في تصريح ل»الصباح» ان اللقاء مع الديبلوماسي السعودي كان محوره «استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها وتأكيد ما جاء في بيان الخارجية التونسية من تأكيد حرص تونس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتشديد على عراقة العلاقات التونسية السعودية وتميزها خدمة لمصلحة الشعبين». كرونولوجيا ال72 ساعة الأخيرة يشار إلى أن زيارة الندائيين لسفير السعودية ورد الغنوشي على منتقديه من قضية الخاشقجي قد جاءا بعد سلسلة من المواقف والبيانات التي أثارت جدلا في الأوساط السياسية والإعلامية الوطنية. فخلال افتتاحه للندوة السنوية الثانية لإطارات الحركة يوم السبت 27 أكتوبر المنقضي، قال الغنوشي: «على الصعيد العربي والعالمي تنعقد هذه الندوة في مناخات تشبه في أوجه كثيرة المناخات التي فجرها المشهد التراجيدي.. مشهد احتراق البوعزيزي، وما فجره في المنطقة والعالم من تعاطف معه ونقمة على الظروف التي قذفت به إلى ذلك المشهد التراجيدي... شبيه به الزلزال الذي أثاره الاغتيال الوحشي للصحفي جمال خاشقجي. لقد أيقظ الضمير الإنساني من سبات، رافضا منطق المصالح السائد بين الدول، مصرا على الوصول الى الحقيقة كاملة. لقد كشفت الواقعة مدى قوة الإعلام والقيم الإنسانية أمام ضعف الدول والمصالح، فقد تحرك الضمير الإنساني معززا بقوة الإعلام الحديث، بما خلق حالة انفلات وزلزلة وضغط على الحكومات ليخرج الحقيقة إلى النور. نسأل الله الرحمة لصديقنا جمال ونرجو الله أن يقبله شهيدا عنده». وبعد نحو 24 ساعة وبالتحديد يوم 28 أكتوبر، أصدر «نداء تونس» بيانا بإمضاء الأمين العام الجديد سليم الرياحي تضمن: «يستنكر الديوان السياسي لنداء تونس تدخل رئيس حركة النهضة في علاقات بلادنا الديبلوماسيّة بما يمس من المصلحة الوطنيّة ويرهن بلادنا ويقحمها في سياسة المحاور التي تمثّل انقلابا على العرف الدبلوماسي لدولة الاستقلال»... ليرد بعدها المكتب الإعلامي لحركة النهضة ببيان بتاريخ 29 أكتوبر، أكد فيه أن رئيس الحركة راشد الغنوشي «لم يذكر اسما ولم يشر لأي دولة، وأن الأمر يتوقف عند العبرة من الحادثة الفظيعة، ووجه الشبه كان فيما أحدثه إضرام شهيد تونس محمد البوعزيزي للنار في جسده أمام مقر حكومي من موجة تعاطف دولي معه»، ويشدد على حرص الحركة على «تعزيز علاقات الأخوة والتعاون مع الشقيقة المملكة العربية السعودية وتقديرها لما حظيت به تونس من دعم متواصل من شقيقتها السعودية». في نفس اليوم وعلى الساعة الثالثة بعد الزوال، أصدرت وزارة الخارجية بيانا تضمن تأكيدا أنه «طبقا لدستور الجمهورية التونسية لسنة 2014 فإن رئيس الجمهورية هو المسؤول حصريا على ضبط السياسة الخارجية للبلاد التونسية التي تتولى وزارة الشؤون الخارجية تنفيذها ومتابعتها». وأكدت الوزارة في نفس البلاغ، أن ثوابت السياسة الخارجية التونسية ترتكز على الحفاظ على السيادة الوطنية وخدمة المصالح العليا لبلادنا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والنأي بتونس عن سياسة المحاور والاصطفاف». يوم الثلاثاء 30 أكتوبر نشرت الصفحة الرسمية لنداء تونس على الساعة 12:07 تدخل القيادي في نداء تونس رضا بلحاج على قناة الإخبارية السعودية والذي جاء فيه أن «نداء تونس شرّك حركة النهضة في الحكومة لتأمين الانتقال الديمقراطية، ولكنها انقلبت على الديمقراطية وتستعمل يوسف الشاهد لافتكاك السلطة وتشتيت مفاصل الدولة. حركة النهضة عادت إلى طبيعتها غير الديمقراطية وأظهرت نوايا عدوانية وانقلابية». يوم الاربعاء 31 أكتوبر: السفير السعودي في تونس يلتقي قيادات من حركة نداء تونس. وفي نفس اليوم تنشر الصفحة الرسمية لحركة النهضة لقاء جمع بين راشد الغنوشي وسفير تركيا في تونس وتضمن اللقاء وفقا لبلاغ مقتضب للحركة «استقبل الأستاذ راشد الغنوشي عشية اليوم الاربعاء السيد عمر فاروق دوغان، سفير الجمهورية التركية بتونس. تناول اللقاء علاقات الأخوة والصداقة والتعاون بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين». قبل أن يؤكد رئيس الحركة راشد الغنوشي أمس الخميس 1 نوفمبر في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية «احترامنا للمملكة العربية السعودية التي تربطنا بها علاقات جيدة وأخوية ونحن نتمنى لها كل الخير..».