يلوم بعض الملاحظين الرئيس الباجي قائد السبسي على تأخره في فتح ملف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بل هناك من يرى أن رئيس الجمهورية يناور بملف الشهيدين ويستعمله ورقة في معركته السياسية ويقدّر أن كل ما يروّج حول الجهود من أجل الكشف عن الحقيقة في علاقة باغتيال الشهيدين هو من قبيل المزايدة السياسية لا غير. وإن كان الرئيس الباجي قائد السبسي ملاما فعلا في قضية الحال، لأنه لم يظهر اهتماما بالمسألة إلا بعد نهاية التوافق مع حلفائه في الحكم (تحالف دام أربعة أعوام مع حزب النهضة بالخصوص) مما يفتح الباب على التأويلات ويثير نقاط استفهام من بينها ما يتعلق بوجود إرادة حقيقية في الكشف عن الحقيقة بعيدا عن التوظيف السياسي، لكن هل ينبغي لنا أن نتجاهل كل محاولة أو كل سعي يمكن أن يقوم به من موقعه كرئيس للبلاد من أجل الكشف عن الحقيقة..؟ والسؤال إزاء ذلك أيهما أهمّ، هل هو التعهد بالملف ولو جاء الأمر متأخرا أم مواصلة تجاهل القضية بدعوى أننا نرفض المزايدات السياسية واستعمال قضية الشهيدين في الصراع السياسي القائم اليوم بين الرئيس وبين خصومه السياسيين؟ كنا نحبذ بطبيعة الأمر، لو أن قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي كانت من أولويات رئيس الجمهورية بمجرد انتخابه وهو الذي كان قد تعهد في حملته الانتخابية بالعمل على كشف الحقيقة كاملة، وذلك قبل أن ينسى أو أن يتناسى الموضوع في خضم عقده للتحالفات أعلى هرم السلطة (حلفاء الأمس خصوم اليوم). لكن ما كنا نتمناه لم يحصل، وهذا أمر مؤسف، إلا أن المبالغة كذلك في التركيز على النوايا وعلى الأمور الخفية غير مجد في منظورنا، لاسيما في ظل الظروف التي مرت بها البلاد والتي ما كانت لتسمح بأكثر مما حصل. وإن كنا نشاطر المتخوفين من التوظيف السياسي للقضية توجسهم في هذا الباب، ونقر بوجاهة الدعوة إلى اليقظة التامة وضرورة تسليط الضغط في اتجاه كشف الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، فإننا نعتقد أنه علينا أن نضع في اعتبارنا أن الأهم هو كشف الحقيقة. ولنا أن نشير إلى أنه ليس كل من ينبه من سوء النية في قضية الحال، وليس كل من يهتف بأن رئيس الدولة تذكّر اليوم فقط قضية الشهيدين، بعد أن فكّ الارتباط مع حزب حركة النهضة التي استقوت عليه في معركته الأخيرة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، هدفه بالضرورة فضح المزايدات السياسية. فهناك من يسعى بكل قوة إلى التشويش على كل محاولات إعادة الملف إلى سطح الأحداث وضدّ كل الجهود المبذولة لتحسيس الرأي العام بإمكانية التوصل أخيرا إلى الحقيقة. ونقول وبدون تردد أن بقاءنا في منطقة الفرضيات المحبطة للعزائم على غرار لو أننا لم نتأخر كل هذا الوقت ولو أننا فتحنا الملف في ظرف سياسي مختلف، لن يجعلنا نتقدم ولو خطوة، وهي كما هو معروف طريقة مثلى لخسارة القضايا العادلة. صحيح، إن اليقظة مطلوبة، لكن الأهم من ذلك أن نضع الأطراف المعنية أمام مسؤوليتها، وفي قضية الحال نضع رئيس الجمهورية أمام مسؤوليته في المساعدة على كشف مدبّري عملية اغتيال الشهيدين ولو بتأخير ملحوظ؟