في نهج الاقتلاع والتجريف، وبهدف حلاقة وتنظيف الارض الفلسطينية من مقومات الصمود والبقاء، منهجت دولة الاحتلال هجومها على الارض والاقتصاد الفلسطيني عصب الحياة والصمود، وبرمجت اجتياحاتها للمدن والقرى والمخيمات، وركزت على اختطاف الارض الفلسطينية من اهلها عبر اجراءت لا حصر لها، ولذلك ليس من قبيل المبالغة القول أن الجبهة الاقتصادية لا تقل خطورة عن الجبهة العسكرية، بل هي شريان التغذية للصمود والمواصلة، بل أن الإجراءات الاقتصادية القمعية الخنقية ضد الشعب الفلسطيني، وعلى نحو خاص منها المجزرة المستمرة ضد عائلة الزيتون الفلسطينية، إنما هي بمثابة المدفعية الثقيلة التي تستخدمها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين، وذلك بغية تجريد الفلسطينيين من اراضيهم وقطع شرايين الدم والتغذية عن الحياة الفلسطينية، لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام والخضوع، بعد أن أخفقت الإجراءات الحربية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها التركيعية، بفضل صمود اصحاب الارض وحقول الزيتون. في المضامين الجذرية الصمودية المرتبطة بشجرة الزيتون الفلسطينية، قيل في الزيت والزيتون في التراث الفلسطيني:»كل زيت بتناطح الحيط».. و»القمح والزيت سبعين بالبيت».. و»الزيت نور على نور»، و»اللي عنده زيت بعمر البيت»، كما تنقل الحكايات الشعبية عن شجرة الزيتون، أنها قالت للفلاح الفلسطيني-حسبما يوثق الكاتب علي الخليلي:»لا أريدك أن تقلّمني مثل بقية الأشجار، أو تحرث التراب حولي وتنظفه من الأعشاب الضارة، أريدك فقط أن تزورني ما بين حين وآخر، لتسلم عليّ، وترتاح تحت ظلالي، ولأفرح أنا بلقائك!». كما تغنى الفلسطينيون بالزيتون قائلينً: «على دلعونا على دلعونا.......بي.. الغربة الوطن حنونا بالله إن متت يامّا اقبروني.......بأرض بلدنا بفيّ الزيتونا» والتراث الفلسطيني زاخر بالامثال والاشعار التي تتغزل بشجرة الزيتون الفلسطينية. ونظرا للارتباط العضوي الوثيق ما بين الاستيطان والتهجير والارض، ونظرا لان الزيتون هو الاهم في الزراعة الفلسطينية وفي الصمود والتواصل، فقد كان للمجزرة الصهيونية المفتوحة ضد عائلة الزيتون الفلسطينية ما يبررها ويسوغها ايديولوجيا، بالرغم من عمق ومدى البشاعة والقسوة فيها، فكما هناك ادبيات وفتاوى دينية توراتية وسياسية تبيح لهم مواصلة المجزرة الدموية المفتوحة ضد نساء واطفال وشيب وشبان فلسطين، كذلك هناك ادبيات صهيونية توراتية وسياسية تقف وراء هذه الحرب التدميرية التجريفية الاقتلاعية المروعة ضد شجرة الزيتون الفلسطينية. فالمشروع الصهيوني الاستيطاني يقوم بالاساس على فرضية»فصل الارض عن السكان تمهيدا لطرد السكان من الارض»، وعلى قاعدة « اوسع مساحات ممكنة من الارض بأقل عدد ممكن من السكان/كما نظر اقطاب الدولة الصهيونية دائما»... وفي هذا البعد تحديدا تأخذ فتوى الحاخام الاكبر سابقا لديهم مردخاي الياهو دلالتها في بعد السيطرة على الارض، حينما قال ليبرر سيطرة المستوطنين على زيتون فلسطين:»بلاد الاغيار وعمل الشعوب/القوميات/ يورث/»...!، بعد ان كان هذا الحاخام الياهو وهواحد ابرز كبار حاخامات الصهيونية ايضا قد شرع للمستعمرين سرقة الزيتون الفلسطيني قائلا:»انه يمكن جني المحصول وقطف الزيتون وسرقته من مزارع الفلسطينيين، لانهم يزرعون في ارضنا عن لقاء له مع القناة التلفزيونية العاشرة». فهم اذا، لصوص الارض والزيتون، يقومون بحرق اشجار الزيتون بعد سرقة المحاصيل، ويعتدون ويعربدون ويحولون حقول الزيتون الى خراب، تحت حماية قوات الجيش التي كانت تتجاهل هجماتهم على الفلسطينيين، لدرجة انه تم تشكيل فرق اسرائيلية خاصة لقطع وتدمير وسرقة اشجار الزيتون. فهل اطلقت اشجار الزيتون الفلسطينية يا ترى النار على الجنود والمستعمرين اليهود واستولت على اراضيهم وممتلكاتهم كي تتعرض لمثل هذه المجزرة المفتوحة...؟!!، وهل نفذت عمليات استشهادية في قلب تل ابيب..؟، ام تحولت بدورها الى فلسطينية متهمة بالارهاب وبالتالي باتت في دائرة الاستهداف والاعدام المستمر على مدار الساعة بلا هوادة...؟! كاتب وباحث وأسير فلسطيني سابق