رغم كثرة الارقام والدراسات فإنه لا توجد إلى حد الآن إحصاءات دقيقة تزيح الغموض المتراكم حول مشاركة التونسيات في ما يسمى ب"التنظيمات الجهادية".. هذا ما أكدته الجامعية والباحثة في الجندر والتطرف العنيف آمال القرامي ل"الصباح". واعتبرت القرامي ان ما تم الكشف عنه منذ يومين بخصوص وجود 10 بالمائة من نساء التنظيمات الارهابية في العالم من التونسيات يؤكد مرة أخرى تضارب الاحصائيات المقدمة من مختلف الجهات حول مشاركة المرأة العربية عموما والتونسية خصوصا في التنظيمات «الجهادية» وذلك نتيجة لغياب مركز ينشر بيانات علمية موثوق بها بعيدا عن التوظيف السياسي للظاهرة. ولم تستغرب الباحثة والجامعية الرقم المعلن عنه «لأنه يتطابق مع الشريحة العمرية المتراوحة بين 16 و32 سنة أكثر نسبة من النساء الارهابيات في العالم زيادة على وجود شريحة عمرية متقدمة متمثلة في الكاهلات وأحيانا كثيرة الجدات المنخرطات في هذه التنظيمات.» وكان نائب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن مراد بن عثمان كشف اول أمس الجمعة أنّ 10% من نساء التنظيمات الارهابية في العالم تونسيات. وأضاف أن وجود تونسيات في التنظيمات الارهابية بمختلف بؤر التوتر خلف إنجاب العديد من الأطفال غير المسجلين حاليا في سجلات الولادة والحالة المدنية معتبرا ان ذلك يطرح مشكلة قانونية واجتماعية. كما اشارت قرامي الى ان الدراسة التي نشرها في وقت سابق المنتدى الاقتصادي والاجتماعي حول انضمام نساء تونسيات الى التنظيمات الارهابية استندت إلى المحاكمات، ودعت في هذا الصدد الى ضرورة الفصل او التفرقة بين «المورطات» في الاعمال «الجهادية» وبين «المؤمنات»، ملاحظة أن هناك نساء «راديكاليات» في افكارهن ولكنهن لم يصلن الى مرحلة الفعل، ولذلك فهن لسن خاضعات للتصنيف المذكور على حد تعبيرها. وفي السياق نفسه ذكرت قرامي انها في 2013 قامت برصد صفحات فايسبوكية لنساء أعلنّ عن نشاطهن ضمن هذه التنظيمات ونشرن صورا لحمل أسلحة والترويج لطرق صنع المتفجرات. عبد اللطيف الحناشي: «تأنيث الجهاد» تحول من الاستقطاب والتجنيد إلى القيام بهجمات عنيفة داخل تونس وكان استاذ التاريخ السياسي والمعاصر عبد اللطيف الحناشي أجرى بحثا علميا عن المرأة التونسية في التنظيمات التكفيرية المقاتلة كشف من خلاله عن ان بعض المصادر تقدر عدد «الإناث» في صفوف تنظيم «داعش» الارهابي بحوالي 10% من عدد المقاتلين الأجانب في التنظيم اللواتي «ينحدرن» من عدة دول غربية وإسلامية، على رأسها دول شمال إفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا. وأكد نفس البحث العلمي ان المعطيات المقدمة حول حجم النساء التونسيات الناشطات في صفوف المجموعات السلفية التكفيرية في بؤر التوتر «ليست دقيقة بل هي متضاربة ومتناقضة، إذ تحدثت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة السابقة عن وجود 700 امرأة تونسية في تنظيمات إرهابية في سوريا.» واعتبر الحناشي ان «تأنيث الجهاد» تحول من الاستقطاب والتجنيد إلى القيام بهجمات عنيفة داخل تونس اذ ساهمت خمس فتيات، لا تتجاوز أعمارهن 25 سنة، في المذبحة التي استهدفت قوات الأمن بمنطقة بولعابة في ولاية القصرين المحاذية لسلسلة جبال الشعانبي وراح ضحيتها 4 عناصر من الحرس الوطني، كما شاركت إحدى المنقبات في التخطيط والتنفيذ للعملية الإرهابية النوعية بولاية المنستير يوم إجراء الانتخابات التشريعية بالبلاد. دوافع أساسية.. العزلة الاجتماعية وهشاشة التجربة بالحياة من جانبه فسر شهاب اليحياوي الباحث في علم الاجتماع ظاهرة انتماء المرأة الى المجموعات التكفيرية الجهادية وانخراطها في ما يسمى ب»الجهاد» في كثير من الاسباب التي لا تتصل فحسب بنوعها الاجتماعي، بل بوضعيتها النفسية والاجتماعية مثلما هو الحال بالنسبة للذكور أيضا، كما ان الوضعيات الاجتماعية الهشّة وحالة الفقر والعوز والعزلة الاجتماعية والتهميش تشكّل كلّها أرضية خصبة لخلق او تنمية استعدادات فردية أو جماعية للانزلاق الى تبني الفكر التكفيري. وفي تقدير اليحياوي فإن العزلة الاجتماعية وهشاشة التجربة بالحياة وانعدام أفق المستقبل والعزلة والبطالة والفقر تضعف الرابط الوجداني للفرد بالمحيط الاجتماعي وتخلق لديه نقمة على هذا المحيط ورفضا له، لذلك شكّلت هذه الوضعية النفسية الاجتماعية مدخلا مثمرا لدى المجموعات التكفيرية لخلق قطيعة بين الفرد وبيئته الاجتماعية. كما أرجع اليحياوي توسع مشاركة المرأة التونسية في المجموعات «الجهادية» الى عديد العوامل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية كالعلاقات العاطفية ودوافع الارتباط بالحبيب وتأثير المحيط العائلي وأيضا رغبة فئة منها في تغيير مسار حياتها والتصالح مع دينها بتأثير قوّي من التمثّلات التي تصنعها لديها الثقافة الدينية الشعبية والفتاوى الكثيرة حول الخيط الفاصل بين فساد وتقوى المرأة.