لم يفوّت يوسف الشاهد في حواره الأخير، الفرصة، ليذكّر التونسيين بحسبه ونسبه وبأنه سليل عائلة دستورية تشبّعت بقيم الديمقراطية التي يؤمن بأنها الطريق الوحيد للوصول الى الحكم، كما تشبّعت بقيم النضال الحقوقي ومبادئه، ذكّر يوسف الشاهد بأن خاله هو الحقوقي والمناضل الفذّ حسيب بن عمّار الذي كان من الرموز المؤسسين للحركة الحقوقية في تونس بمختلف تشكّلاتها وتنظيماتها بما في ذلك الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في منتصف سبعينات القرن الماضي، أو المعهد العربي لحقوق الانسان أواخر الثمانينات.. أو حتى من خلال جريدة «الرأي» التي كانت اول صحيفة مستقلة تناضل من اجل الحريات او الحقوق، وفتحت أبوابها لكل التيارات السياسية والفكرية دون اقصاء أو استثناء، وعُرفت بمواقفها الجريئة في مقارعة النظام ومحاججته وارباكه واحراجه من خلال مواقف شجاعة ومتمرّدة عن النظام انتهت الى مساءلة حسيب بن عمّار عديدة المرّات بتهمة مهاجمة النظام وانتقاده. قد يكون يوسف الشاهد أراد من خلال تذكيرنا ب»حسبه ونسبه» اثبات أن وجوده في المشهد السياسي لم يكن من باب الصدفة أو من قبيل المنّة من الزعيم المؤسس لحزب نداء تونس ورئيس الدولة الباجي قايد السبسي، الذي آمن به واصطفاه من بين الكثير من قيادات الحزب ليكون «ربّان سفينة الانقاذ» باسم شرعية الوحدة الوطنية.. وأنه قد لا يكون خبر السياسية في عمقها القاعدي ولكنه سليل عائلة لها تاريخ في السياسية. كما حاول رئيس الحكومة من خلال التذكير بالماضي التليد لعائلته، تبرير تمرّده على الأب الروحي الباجي قايد السبسي الذي آمن به وراهن عليه بل رهن مسيرته السياسية بين يديه لأن في نجاحه كرئيس حكومة بصلاحيات واسعة، نجاح لمنظومة حكم أفرزها صندوق الاقتراع وتعثّرت في أزماتها.. ففي بداية السبعينات تمرّد حسيب بن عمّار على الزعيم الحبيب بورقيبة وغادر منصب وزير الدفاع بعد سنة من توليه المنصب ليلتحق بما سمّي وقتها بالمعارضة الديمقراطية ولكنه عوض أن يختار المعارضة السياسية كما فعل عدد من رجال النظام الذين انفضوا من حول بورقيبة اختار حسيب بن عمّار عن وعي التفرّغ للحركة الحقوقية والدفاع عن حرّية الاعلام.. اذن تمرّد حسيب بن عمّار ليمهّد طريق الحقوق والحرّيات لأجيال من التونسيين، ولكن يوسف الشاهد بدا واضحا أنه تمرّد من أجل السلطة والطموح السياسي لبناء مسيرة لم تبدأ من القاعدة بل من القمّة الذي يُجاهد اليوم للبقاء فيها بعد ان احتدمت الصراعات من حوله وتحوّلت الى أتون من الفتن والانقسامات وأجبرته على اتقان لعب دور «البهلوان» الذي يسير على حبال متأرجّحة، مراهنا على عدم السقوط لأن أي سقوط محتمل يعني نهاية مؤكّدة. ومن الأشياء اللافتة والمثيرة للانتباه في حوار يوسف الشاهد، هو دعوته للتونسيين لعدم التبذير، وكأنه يستحضر بذلك احدى الافتتاحيات التي كتبها حسيب بن عمّار في جريدة الرأي في ذروة أزمة الخبز سنة 1984 عندما كتب أنه لا خيار أمام الدولة الاّ «شنّ حرب على التبذير والتسيب وسوء التصرف، والتزام الإدارة والمؤسسات الاقتصادية وكل المواطنين سياسة تقشف حقيقية..»، لكن حسيب بن عمّار عندما دعا الى سياسية «تقشّف» تحدّث عنها كخيار وطني لرفض التبعية والارتهان الى مراكز النفوذ الخارجية، ويوسف الشاهد عندما طلب عدم التبذير كان للتدليل على كون الدولة توشك على الانهيار وأن الخيارات محدودة ومنها خيارات التقشّف التي تفادت حكومة يوسف الشاهد الذهاب فيها لأنها تهدّد بشكل مباشر مراكز نفوذ ومصالح داخلية تؤثّر بشكل لم يعد خفّيا في مواقع صنع القرار السياسي. ورفعة نسب يوسف الشاهد لا تمنعه من أن يثبت للتونسيين مشروعية طموحاته انطلاقا من عمله ومن الحلول والرؤى التي يحملها في مواجهة الازمات التي أغرقت البلاد، عملا بذلك البيت من الشعر»ما بقومي شُرّفت بل شُرّفوا بي.. وبنفسي ارتفعت لا بجدودي»!