قتل «إيفواري» في «براكاج» وانتحار مصور صحفي حرقا، حادثتان منفصلتان جدتا يوم أمس تبدوان للوهلة الأولى مختلفتين في الدوافع والتداعيات والمكان، لكنهما تتشابهان من حيث عمق المأساة التي تعري حقيقة الوضع اليوم في تونس، كما تدعو إلى الكثير من المراجعات، كل من موقعه، لأن الهوة تتسع يوميا بعد يوم بين متطلبات الشعب ومشاغله ومطامح السياسيين وأجنداتهم. ولا نتجنى أو نبالغ في شيء إذا ما قلنا أننا على شفى الهاوية جميعا. لقد كشفت حادثة قتل رئيس جمعية الجالية الإيفوارية بتونس فاليكو كوليابالي اثر مهاجمته من قبل مجموعة من الشبان تتراوح أعمارهم بين 15 و23 سنة، حاولوا افتكاك هاتفه الجوال في منطقة دار فضال بسكرة، أن الأضواء الحمراء التي تشتعل منذ مدة بشأن تنامي ظاهرة «البراكاجات» وانتشار الجريمة وغياب الشعور العام بالأمن لدى التونسيين، قبل الجاليات الأجنبية المقيمة بيننا، كانت أمرا واقعا لا مبالغة فيه. وكانت تتطلب أذانا صاغية ودرجات عالية من الوعي والتدبر وجدية في المعالجة من كل الأطراف المعنية أمنا وحكومة.. لم تحصل للأسف. وبدا جليا «تخاذل» المسؤولين على أمن البلاد والعباد في التدخل الفعال لتطويق الظاهرة حفاظا على سلامة التونسيين وضيوفنا وعلى صورة تونس كوجهة سياحية آمنة. حيث تكررت حوادث الاعتداء لغايات السطو والإجرام تغذيها معضلة المخدرات ووقوع شبابنا تحت وطأة صنوف مختلفة من السموم تذهب العقل وتنزع الإنسانية. وسجلنا سابقا حادثة «براكاج» راح ضحيتها أستاذ من أجل مبلغ 40د؟ !!. كما تسجل باستمرار اعتداءات على سواق التاكسي الفردي مما دفعهم إلى التلويح بإضراب أواخر الشهر الماضي بعد وفاة أحد زملائهم تم استهداف سيارته بالحجارة من قبل مجموعة من المنحرفين. بالتوازي مع حادثة «البراكاج» في سكرة سجلت في القصرين فاجعة وفاة عبد الرزاق زرقي مصور إحدى القنوات التلفزية الخاصة بالجهة بعد إضرام النار في جسده. ويبدو وفق معطيات أولية أن ظروفا عائلية واجتماعية كانت وراء ما أقدم عليه. وإذ نقر أن لا شيء يبرر الإقدام على الانتحار إلا أن ذلك لا يمنعنا من الإقرار بخطورة اتساع رقعة اليأس والقنوت لدى التونسيين عامة ولدى الشباب خصوصا مع انعدام ثقتهم في المستقبل بسبب طول انتظار الاستحقاقات المؤجلة وفي مقدمتها التشغيل والحق في العيش الكريم. وتتحمل الطبقة السياسية ما بعد 14 جانفي وزر التراكمات وارتفاع نسب التشاؤم وتحولها إلى خطر حقيقي يتهدد استقرار البلاد وينذر بالانفجار ما لم تتغير الخيارات ويرجع الأمل للتونسيين لا أخطر على الوطن من انعدام الأمن وانتشار الخوف وانسداد الآفاق وضيق العيش.. فلنحذر جميعا..