أثبتت الفنانة التونسية عايدة النياطي خلال العرض الذي أحيته نهاية الأسبوع بفضاء الأكروبوليوم بقرطاج، أن وضع الأغنية التونسية يبشر بخير طالما أن هناك أصواتا من طينة هذه الفنانة المتميزة حضورا بعد أن اختارت منهجا فنيا خاصا مختلفا عن السائد تراهن فيه على أغانيها الخاصة بدرجة أولى، أي أن أغلب الأغاني التي تؤثث بها عرضها من «صناعتها» كلمات وألحان تجمع بين «الجو» التونسي والإيقاع الغربي. وقد رافقها في هذا العرض الثلاثي الموسيقي المتكون من كل من أسامة المهيدي في العزف على آلة «البيانو وهو من قام بتوزيع أغلب أغانيها إضافة إلى حمزة أبّة في العزف على «القيتارة» ومحمد عبد القادر حاج قاسم على الإيقاع. فكان هذا العرض في جانب منه امتدادا لللون والنمط الذي قدمته هذه الفنانة في مجموعة زياد الزواري في عرض «بطايحي». فلم تجد عايدة النياطي صعوبة في التواصل مع العدد الكبير من الجماهير التي حضرت عرضها وكان أغلبها على بيّنة ودراية من «نجمة» سهرته ولم يأت للاكتشاف. فاختارت ابنة تستور أن تبدأ عرضها بإيقاعات متوسطية تكشف فيها انفتاح تجربتها واللون الذي تقدمه على الموسيقى العالمية وتحديدا المتوسطية جنوبا وشمال وشرقا وغربا وهو ما عبرت عنه برغبتها في حمل الحاضرين في رحلة فنية فيها من الجمالية والتميز ما يحقق السعادة والانتشاء الفني لجمهورها الذي حملته في رحلة رائقة خارج الزمان والمكان. وهو تقريبا ما نجحت في تحقيقه في هذا العرض الذي تواصل على امتداد أكثر من ساعة ونصف. فغنت «يا دهر قداش غدار فيك الدموع سكيبة» و»سمحة» و»هيج لشواق» و»فطومة تعز علي» و»فلسطين» وهي من كلماتها وألحانها وتوزيع أسامة المهيدي وجلها من أعمالها الجديدة التي أنتجتها بإمكانياتها الخاصة وضمنتها لهذا العرض الذي يحمل جانبا هاما من طموحاتها الخاصة لتدخل مجال العروض الكبرى والمهرجانات بصفة فردية بعد تجارب متنوعة على امتداد ما يقارب عقدين مع فرق ومجموعات فنية، خاصة أنها تعد من بين الأصوات المتميزة. وأثبتت في هذا العرض أنها من طينة «الكبار» وتستحق المضي قدما في مشروعها الفني النوعي الذي تحيك تفاصيله وتستمده من واقع تونس اليوم وهاجس ومشاغل المواطن بقطع النظر عن ميولاته الثقافية والفنية. والمتتبع لما قدمته من أعمال خاصة في سنوات ما بعد الثورة أو مشاركات في مجموعات وعروض خاصة وغيرها يتبين ذلك وعرضها الأخير كان تأكيدا لهذا المنحى. كيف لا وهي اليوم أكاديمية في الجامعة التونسية بعد أن أصبحت تحمل شهادة الدكتوراه في العلوم الثقافية بعد حصولها على الأستاذية في الموسيقي والماجيستير في تاريخ حضارة العالم المتوسطي فضلا عن مشاركتها ونشاطها المستمر في عدة وحدات وجمعيات بحث ثقافية. فالعرض لم يكن مجرد عزف وغناء واستماع أو استهلاك بل أشبه برحلة تجمع بين الثراء في الزاد الفني والموسيقي والثقافي عكسته تنوع المواضيع وثراء المضامين للأغاني وتنوع الإيقاعات الموسيقية التي تضمنها العرض من ناحية وبين الجمالية والانتشاء والمتعة الفنية من ناحية أخرى لاسيما أن اختيار عايدة النياطي للظهور وتقديم عرضها في هذه المرحلة أي قبل نهاية العام الجاري وتأكيد الدخول في سلسلة من العروض الأخرى خلال الأسابيع القادمة تأكيد إصرارها على دخول الساحة الفنية وتحديدا «المهرجاناتية» من الباب الكبير بعرض تراهن فيه على إنتاجها الخاص والجديد. فكان لحضورها الركحي وتفاعلها مع الجماهير الحاضرة دور في نجاح هذا الحفل الذي اختارت تقديمه في هذه المرحلة في إطار التسويق له والتعريف به لدى أكبر قدر من الجماهير بعد أن سبق ورشحته لعدة مهرجانات وتظاهرات ولكن لم يتم قبوله. فغنت بصوتها الرهيب بكل اللغات وأطربت الحضور خاصة أنها تتميز بامتلاكها طاقات صوتية عالية طوعتها لمشروعها الفني الخاص باعبتار أن أغلب الأغاني التي وضعت كلماتها ولحنتها لم تخرج عن «الجو» التونسي ولكن قدمتها بنفس الإيقاع والموسيقى الغربية على غرار «هيج لشواق» و»سمحة» التي صورتها مؤخرا «فيدو كليب» إضافة إلى أغنية «حمر عيونه». وقد وجدت في تفاعل الجمهاير مع كل خطوة وتحرك فوق الركح وكل موال أو مقطوعة موسيقية أو أغنية تقدمها ما يحفزها على العمل من أجل فرض نسقها الفني خاصة أن لها من الإمكانيات والقدرات ما يرشحها لتكون في دائرة اختيارات الجمهور التونسي النوعي. كما غنت «ما أحلى ليالي شبيلة» ولفيروز وحملت الحاضرين في رحلة متوسطية عبر وصلة من الموسيقى والأغاني التركية واليونانية والبرتغالية والشرقية ساعدها في ذلك قدرتها على «النطق» الصحيح باعتبار أن هذه المسألة كثيرا ما تمثل معضلة لدى عدد كبير من الفنانين في تونس. وما أضفى على العرض رونقا خاصا مشاركة عماد حمدي المعروف باسم «عماد تيونلو» بمرافقته لها في عدد من الأغاني بالعزف على الآلات الالكترونية بالصوت أو ما يعرف باسم «البيت بوكس». وقد تفاعل الحاضرون مع كل إطلالة لهذا العازف الذي بدا متمرسا ومتميزا في كل إطلالة في العرض.