هل تعوّد التونسي فعلا على أخبار الحوادث والقتل والسرقات المسلحة والانتحارات حرقا التي عادت بقوة في المدة الأخيرة وآخرها حادثة المصور الصحفي عبد الرزاق الزرقي التي حركت نوعا ما المشاعر لكنها لم تصل إلى درجة من القلق والخوف والشفقة ولم تؤثر كثيرا في المجتمع ولم تخلف ردود فعل يمكن أن تصل إلى حد الحراك الشعبي أو حتى ثورة جديدة مثلما كان البعض يأمل ومثلما كان البعض ينتظر أن يكون الزرقي بوعزيزي تونس الجديد.. إن ما حصل مع الزرقي وفي انتظار استكمال التحقيق وثبوت إذا ما إن كان هذا الشاب، وهو أب لطفلين، قد انتحر فعلا أو قتل، فان الحادثة يبدو أنها كانت مدبرة وان الفقيد لم يكن ليصل بالعملية إلى حد الوفاة بل إن الاعتقاد سائد بان المسألة لم تكن لتتجاوز الحركة الاحتجاجية البسيطة التي يتولد عنها تمرد وربما ثورة جديدة لا تختلف عن ثورة 2011 التي انطلقت بشرارة مماثلة يوم 17 ديسمبر... الأكيد أن عبد الرزاق الزرقي ذهب ضحية من حاول استغلاله لإشعال نار الفتنة في البلاد والعودة بالبلاد إلى مربع العنف والاقتتال والفوضى... لكن للحادثة عبر عديدة يمكن آن نلخصها في آن الوضع الاجتماعي والتهميش الجهوي مازال كما كان عليه قبل الثورة وان الشباب مازال يعاني من البطالة وان نسب الفقر تزايدت وان الثورة لم يستفد منها سواء الأثرياء والمهربين والفساد والطبقة السياسية وان من قاموا بها كانوا مجرد وقود حطب، ظلوا كما هم أو أسوأ وان المطالب التي قامت عليها الثورة لم تتحقق منها سوى الحرية التي تحولت أحيانا إلى انفلات وفوضى في حين ظلت الكرامة مفقودة وانعدمت أفق التشغيل.. ثورة تونس لم تقدم أي انجاز اجتماعي حقيقي، وربما تكون أوضاع الجهات المهمشة والأفراد المعدمين تدهورت أكثر فأكثر.. فلم تشهد البلاد إصلاح في بنيتها التحتية ولم تعرف رفع مظالم ولم تشهد حدا من الفساد... وبالعودة إلى ملف الضحية الزرقي، فانه وغيره لن يكون بوعزيزي جديدا، لأن في سنة 2010 كانت كل الأمور جاهزة لتجعل من بائع الخضار المتجول «شهيدا» ولتجعل من البوعزيزي رمزا ولتجعل منه الشرارة لانطلاق الثورات العربية... أما اليوم فان من يلجأ إلى البنزين وعود الكبريت لحرق نفسه فلن يجد له سوى قبرا يأويه ثم يلفه النسيان لان محرك اللعبة رغب في «بوعزيزي» واحد.. وكفى..