لا تزال التلفزة تحظى بالمتابعة والاهتمام وتصنع الفرجة و«اللمة» العائلية وتبعث أجواء الفرحة، رغم التغيرات التي عرفها مجتمعنا في تعاطيه مع العادات وبعض المناسبات لاسيما في ظل الانفتاح المسجل على الوسائط الاتصالية والتكنولوجية الحديثة وما تتيحه من شبكات وإمكانيات تواصل من ناحية الاستمتاع والمتابعة لكل ما ينتج ويروج في مجال السمعي البصري. وتأكد ذلك جليا في الاحتفال برأس السنة الإدارية رغم انفتاح المواطن التونسي على الاحتفال بهذه المناسبة وقضاء سهرته خارج البيت أي في النزل والفضاءات الخاصة التي توفر لهذه المناسبة عروضا وبرامج تفاضلية ومغرية تراهن فيها بالأساس على نوعية معينة من الفنانين التونسيين وفي مقدمتهم فناني «الفرجة» والأغنية الشعبية وبدرجة أقل المختصين في الأغنية الوترية والطربية فضلا عن بعض نجوم الأغنية العربية. وما يطرح في هذا السياق هو مدى نجاح التلفزة التونسية في تعددها بين العمومي والخاص والفنانين التونسيين في استثمار العلاقة التي تتيحها هذه المناسبة خاصة في ظل اجتماع نسبة كبيرة من المواطنين حول الشاشة الصغيرة بحثا عن فرصة الاستمتاع بمادة برامجية نوعية تجمع بين أجواء المرح والفرحة ومشاهد الجمالية بعيدا عن «مجّ» الحوارات المطولة ومشاكل السياسية والسياسيين والمشاغل الاجتماعية والاقتصادية. والأمر سيان بالنسبة للفنانين لاسيما أن جل هؤلاء يشتكون من التهميش والتغييب عن المهرجانات والتظاهرات الفنية والثقافية وعدم حظوة قاعدة جماهيرية كبيرة بسبب غياب الدعاية لأعمالهم. فالمتتبع يتبين أيضا أن هذه الإطلالة كانت من أجل الحضور لا غير. يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين العائلة التونسية والشاشة الصغيرة محاولات لربط علاقة تواصل بعد شبه القطيعة الحاصلة بين الطرفين وذلك من خلال سهرة الاحتفال بهذه المناسبة هو عدم قدرة العدد الكبير من المواطنين لتوفير مستلزمات هذه الاحتفالية لاسيما في ظل غلاء الأسعار، رغم أن العدد الكبير من هؤلاء يحرص على عدم تفويت فرصة الاحتفال بهذه المناسبة خارج البيت خاصة أن أغلب النزل وعدد كبير من الفضاءات الخاصة، تضع برامج فنية بالأساس وتوفر تسهيلات في الدفع لهذه الفئة من التونسيين عائلات أو أفرادا. إلا أن ما يميز احتفالية تلفزاتنا بهذه المناسبة والمساحات الزمنية الطويلة التي تخصص لسهرة رأس العام، والتي أصبحت لدى اغلبها ركنا خاصة تجند له فريقا خاصا من أجل ضمان أكبر نسبة من المستشهرين وأيضا الضيوف النوعيين الذين لا يختلفون من حيث التوجه والخصوصية عما توفره برامج النزل والفضاءات الخاصة، هو ما تتحيه من حضور لأعداد كبيرة من الفنانين التونسيين بدرجة أولى وذلك باختلاف الأنماط والألوان ومنحهم فرصة للغناء والفوز «بإطلالة» نوعية ومن الباب الكبير على جمهور الشاشة الصغيرة في سهرة ليلة شتاء بارد وهي إطلالة على قدر كبير من الأهمية والجدوى إذا ما نجح الجميع في استثمارها إيجابيا. والأمر سواء بالنسبة للمؤسسات التلفزية والمحاولات المزعومة لتحقيق «المصالحة» مع الجمهور الواسع بعد شبه الأزمة الحاصلة بين الطرفين في السنوات الأخيرة وهجران المشاهد للتلفزيون. كما هو الشأن بالنسبة للفنان في مساعيه ومحاولاته المتكررة المسجلة في المدة الأخيرة لتحيز مكانة في المشهد العام ونيل رضا وحب ومتابعة الجمهور التونسي له ولما يقدم، وهي من العوامل التي من شأنها أن تدفع هؤلاء لمضاعفة العطاء والمراهنة على الإنتاج الجديد والجيد والمحافظة على الحضور المتميز والبقاء في دائرة الاهتمام ومن ثمة النشاط والعمل خاصة أمام تعدد أساليب الدعاية وتوفر فرص ومجالات عمل عديدة تتجاوز ما كان حكرا على المهرجانات أو الحفلات والمناسبات الخاصة بعد أن أصبحت العروض والسهرات ضمن برنامج عديد الفضاءات والجهات الخاصة المختصة في إحياء السهرات الفنية بشكل أسبوعي ودوري. فضلا عما تسجله الساحة خلال هذه المناسبة من «انتصاب» محلات جديدة تفتح خصيصا للاحتفال بسهرة رأس السنة الميلادية على غرار بعض المطاعم والمقاهي. برامج غير مدروسة لكن ما يعاب على تلفزاتنا في هذه الاحتفالية الموسعة أنها لم تكن مدروسة ومحبوكة في خطوطها العريضة وبرنامجها المفصل بما يخدم العلاقة المنتظرة بين هذه المؤسسات والمتلقي أو المشاهد التونسي بدرجة أولى بما يؤسس لعلاقة طويلة الأمد وليس مناسباتية، والمتابع لما قدم في نفس المناسبة يتبين أنها كانت متسرعة ومن أجل تأكيد الحضور في هذه المناسبة وإرضاء «الشلة» أي نوعية معينة من الفنانين والناشطين في الحقل الثقافي بشكل عام وفق منطق «الزبونية» ورد الجميل والأقربون أولى بالظهور و»التقلب» في إطلالات مختلفة خدمة للمشهدية الخاصة بكل قناة تلفزية. وهو نفس المقياس المعتمد بالنسبة لأغلب الفنانين الذين شاركوا في هذه الاحتفاليات رغم أن كل السهرات كانت مسجلة منذ أيام أي أن أصحابها لم يكونوا تحت ضغط «العربون» والالتزامات الغنائية.