عرفت تونس التنظم النقابي منذ أواخر القرن 19، وطوال تاريخ الحركة العمالية التونسية كان هناك تلازم بين الفعل السياسي والنضال الاجتماعي فرضه الوضع الاستعماري نفسه، حيث تمكن الشهيد فرحات حشاد الكاتب العام للاتحاد العام التونسي للشغل بعد تأسيسه من تنظيم الطبقة العاملة التونسية ومن تحقيق تكتلها حول الحركة التحريرية التونسية، فعلى اثر اعتقال القيادات السياسية للحزب الحر الدستوري الجديد في بداية الخمسينات اندفع حشاد في قيادة الحركة الوطنية بأكملها فكان حينها يعطي تعليماته للمقاومة التونسية بدحر المستعمر في كل مكان خصوصا بعد تنكر الحكومة الفرنسية لوعودها لمنح تونس استقلالها الداخلي حيث قدم الاتحاد العام التونسي للشغل قافلة من الشهداء تنديدا بالمستعمر الغاشم وطلبا للاستقلال، أبرزهم حشاد فضلا عن المعتقلين والمساجين بعد مظاهرات قادتها النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل حينها. بعد حصول تونس على استقلالها اضطلع الاتحاد العام التونسي للشغل بدور الشريك في بناء الدولة الوطنية الحديثة من خلال تمثيليته الرئيسية في المجلس القومي التأسيسي سنة 1956، وكذلك شارك الاتحاد في أول حكومة بعد الاستقلال حين تولى عدد من أعضاء مكتبه التنفيذي حقائب وزارية هامة من بينهم مصطفى الفيلالي وعبد الله فرحات، إلا أن العلاقة بين الاتحاد والسلطة عرفت عديد الأزمات خصوصاً منها سنة 1978 بعد اعلان الحبيب عاشور الإضراب العام في البلاد يوم 26 جانفي 1978، حيث زج بكافة قياداته في السجون، وخلال فترة حكم بن علي لم تهدأ علاقة الاتحاد بالسلطة، فمع بداية أحداث الثورة التونسية في التصاعد وقبل انتشارها عمدت الأوساط القيادية في الاتحاد العام التونسي للشغل حينها للتذكير بمضامين الدراسات التي أنجزها حول الوضع الاجتماعي بالجهات الداخلية التي بينت العمق الحقيقي للأزمة واقترحت على الحكومة حينها حلولا للتخفيف منها أو تجاوزها، ورغم فقدانه دوره الضاغط حينها على السلطة، والتضيق عليه ورفضه أن يكون جزء من الحكومة المستبدة آنذاك وعلى الرغم من الأوضاع المتردية بالبلاد تمكن الاتحاد العام التونسي للشغل حينها من مواصلة القيام بعديد الإضرابات في قطاعات متعددة.. الاتحاد "المنقذ الثائر" بعد 14 جانفي عرفت تونس مشهدا سياسيا متحركا ومتنوعا وتمكن الاتحاد العام التونسي للشغل من لعب دور بارز من خلال وصوله إلى مرتبة المؤسسة الفاعلة بالبلاد خصوصا عقب وفاة لطفي نقض وكذلك على اثر عملتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي حيث تمكن الاتحاد العام التونسي للشغل نتيجة المشهد الضبابي الذي عاشته بلادنا خلال تلك الفترة وللخروج من المأزق بتنظيم حوار وطني لحل أزمتي تونس السياسية والاقتصادية نتيجة تفاقم الإرهاب وعجز الموازنة وتراجع الاستثمار ونجح على إثرها الرباعي الراعي للحوار في الظفر بتوقيع 21 حزبا على خارطة طريق قادت البلاد للخروج من أزمتها حينها وأفضت إلى تكوين حكومة كفاءات وطنية لإنهاء صياغة دستور للبلاد والاتفاق على الإعداد للانتخابات المقررة حينها نهاية 2014. واليوم لا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل يواصل دوره الوطني حيث عبر عن رفضه للزيادة في أسعار المواد الأساسية مؤخرا المتخذة من حكومة يوسف الشاهد، والتي أدت إلى التهاب أسعار العديد من المواد المرتبطة بالاستهلاك اليومي للتونسيين والتونسيات، محذرا من أن هذه الإجراءات ستزيد في ترفيع التضخم وتدهور المقدرة الشرائية للمواطنين، وتعمق التفاوت الاجتماعي ودعوته لضرورة التزام احترام الحكومة لتعهداتها بعدم الزيادة في المواد الأساسية طبقا للاتفاق الحاصل مع الاتحاد في الغرض، وما رافقها من احتجاجات بعديد المناطق من البلاد مؤخرا حيث عبر الاتحاد عن وقوفه مع الاحتجاجات السلمية من أجل القضايا العادلة ومواصلة العمل من خلال المساهمة وإيجاد الحلول والبدائل والخيارات الحقيقية للقضايا الحارقة وذلك لن يأتي إلا في ظل الاستقرار السياسي المنشود لإنقاذ تونس وتجربتها الفتية خصوصا بعد انتخابات 2014 من خلال الدعوة لوجود واقع سياسي تتصارع فيه الأحزاب على البرامج قبل المواقع. كما يلعب الاتحاد التونسي للشغل إلى جانب الديبلوماسية التونسية اليوم دورا هاما في نصرة قضايا شعوب العالم المضطهدة أهمها قضية الشعب الفلسطيني، وسينظم الاتحاد خلال احتفاله بتأسيسه السنة الفارطة مؤتمرا دوليا بمشاركة المنظمات والنقابات الدولية الفاعلة من أجل نصرة القدس والقضية الفلسطينية العادلة. وبالتالي نستنتج أن الاتحاد مر قبل وبعد تأسيسه بعديد التجارب، والتيارات، والتوجهات، والمدارس الاقتصادية، الشيء الذي خلق نوعا من الديناميكية وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار في العلاقة بين السياسي والاجتماعي في مجال تحركات الاتحاد المحسومة تاريخيا، وان كان هناك جدل في خصوصها فيتم غالبا في علاقة المد والجزر بينه وبين السلطة.