يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بات يجد فيما ينشره على موقعه على «تويتر» اقصر وأسهل الطرق لتوجيه رسائله العابرة للحدود لشركائه أو منافسيه والتخلي بالتالي عن الوسائل الكلاسيكية للتواصل مع الرأي العام في الداخل والخارج وتجنب بالتالي الصدامات مع الإعلاميين وتجنب كل أنواع الأسئلة المحرجة أو المزعجة.. وقد أكد الرئيس الأمريكي أكثر من مرة منذ وصوله الى البيت الأبيض قبل سنتين استهانته بالإعلام والإعلاميين وتعاليه إلى درجة التحقير لوسائل الإعلام بما يعني أن السلطة الرابعة ليست دوما في أفضل حال حتى في الأنظمة والدول المترسخة في الديموقراطية.. والأكيد أن ترامب باعتماده على «التويتر» يصر على فرض ثقافة جديدة في البيت الأبيض تعكس أهواءه وتوجهاته وخياراته في توجيه رسائله التي قد تفتقر في أحيان كثيرة للديبلوماسية، وهي رسائل قد تغيب على مستشاريه فلا يتمكنون من كبح جماحه قبل نشرها للعلن ما يدفع في كل مرة وزير خارجيته للتدخل في محاولة للتوضيح أو التهدئة أو تفسير ما أراد الرئيس الأمريكي قوله.. وليست هذه المرة الأولى التي يعمد فيها ترامب الى تويتر لتوجيه تحذيرات وتهديدات الى قوى إقليمية أو دولية قبل ان تلفها الديبلوماسية الأمريكية بخطاب تهدئة لاحقا وقد سبق لترامب ان هدد إيران والسلطات الإيرانية بعملية غير مسبوقة كما هدد كوريا الشمالية بإزاحتها من على وجه الأرض قبل ان يلتقي غريمه ويصفه بالشاب الذكي.. والحقيقة أيضا أنها ليست المرة الأولى التي يهدد فيها ترامب تركيا فقد كان خطابه مهددا للسلطات التركية قبل أن تستجيب لدعوة الرئيس الأمريكي وتطلق سراح القس الأمريكي برانستون المحتجز في تركيا في خضم الكشف عن جريمة قتل خاشقجي.. وقد اتجهت تهديدات ترامب هذه المرة الى تركيا حيث هدد الرئيس الأمريكي أنقرة بحرب شرسة ومدمرة للاقتصاد التركي، تهديد سرعان ما كان له وقعه حيث سجلت الليرة التركية تراجعا خطيرا.. ليس من الواضح ان كان الرئيس الأمريكي يقصد ما يقول ولكن الواضح ان أنقرة تلقت الرسالة وردت بأنها لا ترضخ للتهديدات.. وفي خضم السجال الحاصل بين واشنطنوأنقرة وتداعياتها وارتباطاتها بالمشهد السوري منذ إعلان الرئيس الأمريكي سحب قواته من هذا البلد لا يبدو ان المنطقة قريبة من نهاية سيناريوهات الرعب فيها.. والأرجح أن خلف تهديدات الرئيس الأمريكي حسابات منها ما هو معلوم ويتعلق بالورقة الكردية والموقف التركي من هذه المسألة التي تعتبرها أنقرة خطا احمر بالنسبة لسيادتها وأمنها وهي تهديدات ليست بمنأى أيضا عن الاهانة التي لحقت مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جون بولتون الذي رفض اردوغان الأسبوع الماضي لقاءه في تركيا، ومنها أيضا ما يمكن ان يكون مرتبطا بالدور الإيراني في سوريا بعد كشف وسائل إعلام أمريكية أن البنتاغون كان لديه قبل ثلاثة أشهر خطة عسكرية لاستهداف إيران.. ولاشك أن إعلان واشنطن عن قمة عن الشرق الأوسط وإيران تعقد في بولونيا الشهر القادم ما يعزز وجود هذه الخطة لضرب الغريم الإيراني.. هل يتعين التعامل بجدية مع تهديدات ترامب؟ الأكيد ان ترامب لا ينطق من فراغ وأن تصريحات وزير خارجيته مايك بومبيو للتهدئة في اليمن وتعزيز وحدة الصف بين دول الخليج ما يشير الى عبثية المشهد عندما يأتي هذا الحرص غير المسبوق على تضامن خليجي لا مكان له في المشهد من وزير خارجية ترامب...