دخلت ثورة الحرية والكرامة عامها التاسع وكما في السنوات السابقة ظل الجدل قائما حول ما اذا كان ما حدث في تونس ثورة او انتفاضة شعبية، والارجح أن التساؤلات ستظل ترافق هذا الموعد طالما بقيت النخب السياسية عاجزة عن الخروج من دائرة السذاجة السياسية والاوهام بقدراتها الفارقة على صناعة التحول المطلوب في بلد تتجه اليه انظار العالم بين مرحب للمشهد الديموقراطي الجدي في بلانا وبين متشف او مشكك في مسار الانتقال الديموقراطي خوفا من احتمالات امتداد بلاء العدوى وانتقال سلطة المجتمع المدني المتمرد والمتاهب دوما لاهداف وتطلعات وشعارات الثورة وتحسبا لامتداد احلام المراة التونسية في بلوغ المساواة.. والاكيد أنه مهما اختلفت التقييمات والقراءات لما تحقق او ما لم يتحقق طوال السنوات الثامنة الماضية في حسابات ثورة 14 جانفي التي انطلقت عفوية من رحم الفئات الشعبية المهمشة ومعها النخب الحالمة بواقع جديد يقطع مع التسلط والظلم والفساد ومهما تباينت المواقف فان ما يستوجب التوقف عنده اليوم أن عجلة الزمان لا يمكن ان تعود الى الوراء وأنه مهما بدت رغبة البعض الى العودة الى ما قبل 14 جانفي ومهما كان حنين الانتهازيين وحسابات المتسلقين فان تونس اليوم لا يمكنها الا ان تتطلع الى المستقبل وان تتجه للبحث جديا عن الخروج من دائرة الاحباط الذي يدفع بشريحة واسعة من شبابها الى مواصلة الهروب الى الامام بحثا عن وهم عابر عبر سفن الموت التي قد تنقله الى الضفة الاخرى للمتوسط متوهما بان الجنة هناك في انتظاره أو منعزلا على نفسه غارقا فيما قد سيحصل عليه من سموم ومخدرات تقيه هموم الحياة أو مرتميا في احضان الجماعات المتطرفة معتقدا بأن مفاتيح الجنة والوصول الى الله تمر عبر فتاويها.. لسنا نبالغ اليوم اذا اعتبرنا أن ما تحقق لبلادنا يكاد ينحصر في ثمار حرية الراي والتعبير الذي تحقق للتونسيين وهو مكسب لا يستهان به وقد فتح المجال للتونسيين لعبور بوابة الكرامة وتحقيق جزء من الحرية المصادرة ولكن ليس كل الحرية ولعله آن الاوان اليوم ونحن نتجه لطي صفحة هذا العقد الاول من الثورة الى تجاوز هذه المرحلة والخروج من دائرةالتباهي بمكسب الحرية الذي لا يمكن تجاهله او التقليل من شأنه ولكن وهنا مربط الفرس الدي يتعين تجاوزه و لتوجه جديا لاستعادة البوصلةالمفقودة والتدارك لتصحيح المسار الذي لا يمكن للنخبة الحاكمة اليوم أن تساعد في تحقيقه وهي التي ساهمت في تراكم الخيبات المتتالية بسبب عقلية الغنيمة التي استبدت به منذ البداية وجعلته رهينة لعبة المصالح والمواقع والحسابات الانتخابية الضيقة.. ليس من الواضح الى اين ستتجه البوصلة في المرحلة القادمة في ظل خارطة سياسية لا يبدو لها من قرار في ظل الازمات الخانقة والنفور الحاصل ازاء الاحزاب والنخب السياسية التي عجزت عن بلوغ مرحلة الرشد او حتى تجاوز حالة المراهقة السياسية التي استفحلت بها.. ولعله لم يبق غير استنهاض المجتمع المدني للاستنفار واستعادة الموقع الذي تبوأه منذ بداية الثورة لنشرالوعي المفقود وتحديد وجهة تونس المستقبل انقاذا لمصير الاجيال القادمة..