غيرمطمئن، ... هذا ما يمكن استخلاصه بعد الكلمة التي توجه بها رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى الرأي العام على اثر الفشل الذريع في المفاوضات مع المنظمة الشغيلة واقرار الاضراب في القطاع العام والوظيفة العمومية بعد نحو شهرين على اضراب نوفمبر الماضي، وهي رسالة غيرمطمئنة لعدة اعتبارات وان كانت لاتعني بأي حال من الاحوال تحميل الشاهد وحده المسؤولية في الفشل ولكن يبقى الجزء الاهم من المسؤولية على عاتقه... ولعل ما يعزز هذه القناعة ألا يستمر الحوار في جولته الثانية قبل اقرارالاضراب نهائيا أكثر من ثلاث دقائق بين يوسف الشاهد رئيس الحكومة ونورالدين الطبوبي الامين العام للاتحاد وفي ذلك أكثر من اشارة على ان الحوار انتهى قبل حتى ان يبدأ وأن اللجوء الى المفاوضات غابت عنه النوايا الصادقة ولم يكن لتحقيق غاية أو هدف يمكن تحقيقه والبناء عليه في حد ذاته ولكنه كان وسيلة لرفع اللوم أوتجنب المزيد من الاحراجات والانتقادات من جانب النواب أوالاحزاب.. وهو ما يعني أيضا افتقار أصحاب القرار في الحكومة لادوات وفن ادارة لعبة التفاوض وادارة الحوار بهدف الابقاء على خيط الامل قائما وتحويل المستحيل الى ممكن وعدم نسف كل فرصة من شأنها أن تدفع للعودة الى طاولة الحوار وهو ما يستوجب الكثير من الصبر والقدرة على التحمل والاقناع ولكن ايضا تقديم البدائل والمقترحات وتجنب سد المنافذ وهو ما لا نعتقد انه حصل بما جعل البلاد تتحول بالامس الخميس 17 جانفي الى عنوان مشترك في مختلف المنابر المحلية والدولية عن تونس التي أصابها الشلل من كل جانب.. وقد كانت محاولة الشاهد طمأنة التونسيين بتوفير الحد الادنى من الخدمات يوم الاضراب عنوانا لفشل معلن بالنظر الى الشلل الذي عم البلد وأثرعلى مختلف انواع الخدمات وتسبب في عرقلة وتأجيل مصالح الكثيرين داخل وخارج البلاد... والحقيقة أن تبريرات الشاهد بشأن رفض الزيادات في الأجور وما ستؤدي اليه في غياب نموّ حقيقي وتراجع قيمة الدينار وازدياد حجم مديونية البلاد، لم تكن مقنعة تماما كما أن اشارته على حرص الحكومة على حماية مستقبل الاجيال القادمة يبقى أقرب الى المراوغة منه الى محاولة وضع الاصبع على الداء. أما اعلانه العودة للحوار مع الاتحاد بعد الاضراب فمسألة تفرضها الاحداث ولا بديل عنها. ولم يعد اليوم من خيارأمام تونس سوى حصول معجزة ونحن ندرك جيدا أن زمن المعجزات ولى وانتهى، أو الدخول في مرحلة الفوضى التي بدأت مؤشراتها تتضح.. نترك لخبراء الاقتصاد مهمة تقييم نتائج وتداعيات الاضراب الآنية والمستقبلية وقد بدأت الارقام تتزاحم معلنة أن كلفة يوم واحد من الاضراب بحجم اربع مستشفيات ومثلها من الطرقات السريعة، ولا ندري صراحة كيف يمكن تحديد ذلك والحال أننا في بلد غابت عنه ثقافة التقييم والمساءلة والمحاسبة منذ سنوات وحلت محلها لغة الغنيمة والمصالح والتعالي على القانون ليتم التضحية بخيار العدالة الاجتماعية لصالح التفقير والانهاك الاجتماعي، حتى أن الترفيع الوحيد المعلن في خطابات السياسيين بات منحصرا في ارتفاع نسبة البطالة والتضخم والتداين وتفاقم مظاهرالفقر والتخلف ومؤشرات انهيار الدولة.. هل كان بالامكان تفادي اضراب الامس؟ لا أحد بامكانه أن يجزم ولكن الارجح أن اخفاقات الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وصولا الى حكومة يوسف الشاهد الثالثة تتحمل مسؤولياتها في المشهد العبثي الذي تسير فيه البلاد. وعليه الا نتوقع الافضل مستقبلا في ظل المشهد السياسي المتعفن وصراعات رأسا السلطة التنفيذية والتشريعية. بل نكاد نجزم أن التعويل على الانتخابات القادمة لتحقيق الخلاص رهان خاسر في ظل الخيارات المتاحة واستمرار التعويل على النخب السياسية في استعراضاتها البهلوانية من القصبة الى قرطاج وباردو التي تنم عن استخفاف مهين بالرأي العام الذي منحها ثقته وقدم لها الفرصة لتحكم البلاد .. وربما يكون من المهم التوقف في هذه المرحلة وقبل عودة ماراطون المفاوضات بين القصبة وساحة محمد علي الى الاعتراف بأن الازمة التي تمر بها بلادنا ازمة سياسية بامتياز، فظاهريا الكل فيها يحكم ولكن عمليا لا احد بامكانه تحريك عجلة القيادة لانقاذ البلاد من افلاس رهيب.. الخطيرأن تونس اليوم ليست في حالة جمود بل في حالة تقهقروتراجع يحتاج لايقافه.. نأمل أن تكون صفعة الاضراب العام منعرجا للخروج من حالة اللاوعي والدخول جديا في مرحلة البحث عن الخلاص وتقديم البدائل الكفيلة باستعادة التونسي كرامته وحقه في المواطنة المبنية على المعادلة بين الحق والواجب.. من حقنا على الحكومة ان تقدم نتائج ملموسة عن الحرب على الفساد والمهربين والتهريب وأن تفرض مبدأ العدالة الاجتماعية على الجميع بما يوفر لكل طفل في أي شبر من التراب التونسي حقه في الحياة بمعناها الشامل في التعليم وتكافؤ الفرص ما يجعل من اداء الواجب واحترام قيم العمل وتعزيز الانتاج ثقافة مشتركة.. والى ان يتحقق ذلك تبقى رسالة الشاهد غيرمطمئنة..ولا يبدو حتى الان ان من يرددون شعار «اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر» لم يدركوا معاني رسالة الشابي بعد..