بقطع النظر عن حقيقة وخطورة المدرسة "الوكر" في مدينة الرقاب بولاية سيدي بوزيد بداعي أنها مدرسة خاصة بتدريس القرآن لا غير، وما خلفته من تطورات في الأحداث والقرارات وما أثارته من مواقف وتباين في الآراء وما رافقها من تجاذبات وتحركات وردود أفعال، فقد كشفت المفارقة الثقافية والاجتماعية والسياسية الكبيرة التي يعيشها المجتمع التونسي اليوم، بما يضع مسائل من قبيل ثقافة الاستقرار والتعايش وبناء دولة حديثة وتأسيس نظام ديمقراطي حداثي أمام منعرج خطير. خاصة في ظل مدى وقع وتغلغل الأفكار الظلامية المعادية للإنسان والحياة والمنافية للإسلام وتعاليمه السمحة، في مختلف الأوساط. إلا أن الثابت في هذه القضية هو ما أكده وأثبته برنامج "الحقائق الأربع" على قناة الحوار التونسي والذي يقدمه الإعلامي حمزة البلومي باعتباره الجهة التي كشفت حقيقة هذه القضية وما يوجد في مجتمعنا من هياكل ومجموعات وجمعيات، مماثلة منتشرة في عدد من جهات الجمهورية، بحجم "قنابل موقوتة" تهدد البلاد بما فيها من ثقافة مدنية وحرية تفكير وإبداع وسلم اجتماعي و"تلوينة" سياسية وحزبية. وانتصر هذا التأكيد لدور وقيمة وأهمية البرامج والإعلام الهادف الذي يعالج ويتناول قضايا حارقة في مجتمعنا وبلادنا ويطرحها بحرفية وطريقة تدفع للإصلاح والمعالجة. وهو لعمري الهدف الحقيقي والأصلي للإعلام. فهذا البرنامج ومن ورائه الفريق الصحفي الموسع الذي يشارك في إنجازه عبر القيام بالريبورتاجات والتحقيقات الاستقصائية وغيرها من المجهودات من أجل الوصول إلى المعلومة وكشف الحقائق لملفات فساد من الحجم الكبير، كذب المنتصرين لبرامج "الرداءة مروجي ثقافة "البوز" وتوجيه الاهتمام والرأي العام إلى برامج اجتماعية هدفها "ضرب وهز" صورة العائلة والمجتمع التونسي بشكل عام من خلال تحويل بعض الحالات "الشاذة" والاستثنائية إلى أمثلة ونماذج بمقاييس قواعد ثابتة بناء عليها يقاس المجتمع والفرد، كل ذلك من أجل الفوز بأكبر نسب المشاهدة ومن ورائها مضاعفة قائمة المستشهرين. خاصة أن نفس القناة أي الحوار التونسي كانت سباقة لزرع وتكريس مثل هذه النوعية من البرامج "الخفيفة". ولم يختلف هذا البرنامج عن برنامج "ما لم يقل" الذي قدمه حمزة البلومي على نفس القناة منذ سنتين ليتحول في بداية هذا الموسم إلى قناة "التاسعة" باعتباره من إنتاج شركة "كاكتيس" ولكن كتب لهذا البرنامج التوقف أو الإيقاف من قبل إدارة القناة بعد بضع حلقات قدمها زهير الجيس. وبعيدا عن فحوى وتفاصيل قضية هذه "المدرسة" المنتصبة على خلاف قوانين التعليم التي تخضع لها المدارس والمؤسسات التربوية في تونس سواء منها تلك المؤسسات التابعة لوزارة التربية والتعليم أو وزارة الشؤون الدينية على غرار "الكتاتيب" ومدى "غرابة" الحدث الذي كشف أن في تونس اليوم في القرن الحادي والعشرين ما زال هناك من لا يؤمن بالدولة والعلم والتعليم والقانون... ليرفع شعار "رب ضارة نافعة" خاصة أن الفائدة من كشف مثل هذه الحقييقة، ورغم التوظيف السياسي، لم تقتصر على فريق البرنامج ما حظي بتنويه وتقدير على أوسع نطاق ومن ورائه المؤسسة التلفزية بل تعدت مزاياه ذلك لتنتصر للإعلام بشكل عام لاسيما في هذه المرحلة، وأكد أن هذا القطاع مازال يدلي بدلوه وسلطة رابعة فعلا، رغم كيد الكائدين المشككين والأجندات المغرضة والموجهة التي نخرت جسده في السنوات الأخيرة وحاولت التحكم في مجراه وواقعه شكلا ومضمونا ليؤكد حمزة البلومي وفريقه الصحفي أن الإعلام يظل سلطة قادرة على الفعل والتغيير من خلال كشف الحقائق والتعاطي معها بحرفية في طرح وتناول القضايا الاجتماعية والإنسانية الحارقة ولعب دور البناء والتأسيس وكشف الحقائق، رغم يقين الجميع بعزوف المستشهرين والمستثمرين عن دعم مثل هذه النوعية من البرامج التي ترفع شعار مقاومة الفساد وتعريته بطريقة مختلفة عن دور القضاء والسلط المعنية. لذلك يمكن القول أن ما حققته قناة الحوار التونسي من خلال هذا البرنامج، في هذه الفترة تحديدا، وما لاقاه من اهتمام واسع ومن إجماع عدد كبير من التونسيين حول تميز وقيمة ونجاعة برنامج "الحقائق الأربعة"، لم تقدر على تحقيقه لمواسم وعلى امتداد حلقات وبرامج راهنت فيها نفس القناة على برامج أخرى رفعت فيها شعار"الترفيهي" والثقافي والاجتماعي وغيرها. ليضع هذا البرنامج على قائمة البرامج التي يقرأ لها ألف "حساب" وحساب. لذلك فمن المؤكد أن ما حققه هذا البرامج من"نجاح" في هذه الحلقة رغم ما كشفه من حقائق في مناسبات سابقة طرح فيها قضايا فساد لا تقل خطورة عن هذه القضية، لتصبح مثل هذه النوعية من البرامج قاعدة تسعى مختلف القنوات التلفزية على النسج على منوالها.