في محاولة لإضفاء حل قانوني بخصوص ملف الحقل النفطي «حلق المنزل» الذي أثيرت حوله شكوك بالفساد تسببت في إقالة وزير الطاقة السابق و4 مسؤولين كبار في صائفة 2018، وكان موضوع جدل سياسي وقانوني تواصل لأسابيع توجت بتكليف مهمة رقابية خلصت إلى تأكيد وجود إخلالات خطيرة، أحالت الحكومة مؤخرا (بتاريخ 29 أفريل 2019) ممثلة في وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، على مكتب مجلس نواب الشعب مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال الحقل النفطي «حلق المنزل»، بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء بتاريخ 28 مارس 2019. ويتضمن مشروع القانون الذي تحصلت «الصباح» على نسخة منه، فصلا وحيدا ينص على الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال «حلق المنزل» والتي سيتم ابرامها لاحقا (بعد مصادقة مجلس النواب ونشره بالرائد الرسمي) بين الحكومة ممثلة في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية من جهة، وشركة «توبيك» من جهة أخرى، وذلك تطبيقا لمجلة المحروقات وخاصة الفصل 19 منها فقرة 5 المنقح بالقانون عدد 41 لسنة 2017 المؤرخ في 30 ماي 2017. ويهدف مشروع القانون إلى ملاءمة وضعية امتياز استغلال حلق المنزل لأحكام مجلة المحروقات من خلال صياغة اتفاقية جديدة طبق مقتضيات الفصل 19 من مجلة المحروقات، تضمن مشاركة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية المملوكة كليا للدولة على كامل امتياز الاستغلال للحقل المذكور في حدود 50 بالمائة. يذكر أن الاشكالية المتعلقة بامتياز استغلال حقل «حلق المنزل» كان موضوع جلسة استماع بلجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية بمجلس النواب بتاريخ 7 جانفي 2019 والتي خلصت إلى ضرورة العمل على تسوية وضعية الامتياز فيما يتعلق بمدة الصلوحية والآليات القانونية الممكنة لمشاركة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية. كما تم خلال نفس الجلسة عرض الحلول الضرورية لنفس الملف على أنظار اللجنة الاستشارية للمحروقات خلال جلستها المنعقدة بتاريخ 31 جانفي 2019 والتي وافقت على نفس المقترح. تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد قرر بتاريخ 31 أوت 2018 اقالة وزير الطاقة وأربعة مسؤولين كبار في الوزارة لشبهات فساد، وهم كاتب الدولة للطاقة والمدير العام للمحروقات ورئيس شركة الأنشطة البترولية والمدير العام للشؤون القانونية في الوزارة. وأمر الشاهد بفتح تحقيق مالي موسع وبإلحاق مصالح وزارة الطاقة بوزارة الصناعة وتشكيل لجنة خبراء لدى رئاسة الحكومة لإعادة هيكلة الوزارة ومراجعة حوكمة قطاع الطاقة. وخلص التقرير الرقابي الذي تم اعداده من قبل هيئتي الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية إثر اعلان رئاسة الحكومة عن قرارات الاعفاء، عن تصرف وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة في رخصة امتياز استغلال حقل ‹›حلق المنزل››، أنّ الدولة التونسية تكبدت خسارة مالية بمليون و976 ألف دينار جراء خطأ على مستوى احتساب الأداء القار على الاستغلال منذ سنة 2004 إلى غاية 2011. وتطرق التقرير الذي ورد في 17 صفحة ووجه ملخصا منه الى مجلس نواب الشعب بتاريخ 19 أكتوبر 2018 إثر طلب من لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية والبيئة، الى الوضعية التاريخية والقانونية لامتياز استغلال ‹›حلق المنزل››، بالإضافة الى مختلف الإخلالات التي شابت تعاطي وزارة الطاقة مع هذه الرخصة. كما كشف التقرير إخلالات تعلّقت أساسا بأداء الإدارة العامة للطاقة على مدى 10 سنوات، أي خلال تعاقب العديد من الوزراء والمسؤولين السامين دون أن يتم حل هذا المشكل الذي استنزف المالية العمومية عشرات ملايين الدينارات، ولاحظ التقرير ان عملية اتخاذ القرار داخل الإدارة تميزت بغياب الشفافية والاذعان للأمر الواقع والتهاون والتردّد والارتجال وحتى التقصير ما تسبّب في خسائر مالية للدولة التونسية. وأثار التقرير شكوكا واستفهامات بخصوص كيفية تعاطي الإدارة مع امتياز الاستغلال منذ تاريخ نهايته الافتراضية سنة 2009 حسب أحكام مجلّة المحروقات لسنة 1999، إلى حدود الإعلان عن اكتشاف انتهائه في 31 أوت 2018، على غرار الغموض الذي رافق عمليّة انتقال اللزمة من شركة OMV إلى شركة TOPIC توبيك في 09 جوان 2006، حيث تحصّلت الشركة عند اقتنائها حقوق اللزمة على موافقة سلطة الإشراف بمقتضى قرار وزير الصناعة والطاقة والمؤسّسات الصغرى والمتوسّطة المؤرّخ في 30 سبتمبر 2006، ورغم ذلك لم يتمّ توجيه أي إعلام للشركة الأجنبيّة التّي كانت تستغّل الرخصة حول التغييرات التّي ستلحق ببنود عقد اللزمة، والتّي تمنع امتلاك المستغّل لكامل حقوق اللزمة أو انتهاء صلاحيتها في سنة 2009. علما ان التقرير الرقابي اقترح إحالة الملف الى القطب القضائي الاقتصادي والمالي مع التنصيص على مشاركة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP) في الرخصة، فضلا عن التفاوض مع شركة ‹›توبيك›› صاحبة امتياز الاستغلال، من أجل ملاءمة الرخصة مع احكام مجلة المحروقات، خاصة ان الاتفاقية المبرمة بين الدولة التونسية والشركة الحاصلة على الرخصة قد خصّت التحكيم الدولي بالحسم في أي نزاع بين الطرفين. كما كشف التقرير أن تقديرات مخزون حقل «حلق المنزل» بالمنستير تبلغ 4.85 مليون برميل ومؤهلة لبلوغ 15 مليون برميل حسب تقدم الاستغلال.. يذكر أن امتياز استغلال «حلق المنزل» تم تأسيسه بمقتضى قرار وزير الصناعة والمناجم والطاقة المؤرخ في 20 جانفي 1979، وكان خاضعا للأمر العليّ لسنة 1953 والذّي يحدّد مدّة استغلاله ب 50 سنة لينتقل باختيار مالكي اللزمة سنة 2001 إلى التمتع بأحكام مجلة المحروقات لسنة 1999 والتي تنصّ في الفصل 48 على أنّ يمنح الامتياز حقّ الاستغلال لمدّة أقصاها 30 سنة. ويقع الحقل النفطي «حلق المنزل» على بعد 70 كيلومترا شمال شرق سواحل مدينة المنستير، ويتجاوز عمر استغلاله 54 سنة، ويتبع المنطقة الخاضعة لرخصة "خليج الحمّامات" التّي تم إمضاؤها ضمن الاتفاقيّة الخاصّة بين الحكومة التونسيّة والشركة الفرنسيّة «بتروبار» في 05 جانفي 1964 للتنقيب واستغلال المنطقة البحريّة الكائنة جنوب الوطن القبلي وشمال ولاية المنستير. ومنذ سنة 1967، تنقّلت لزمة الاستغلال بين عدد من الشركات الدوليّة بعد أن نقلت الشركة الفرنسيّة «بتروبار» سنة 1967 جميع امتيازات رخصة «خليج الحمامات» لنظيرتها «آلف إراب» لتتواصل رحلة التداول على اللزمة بين سنوات 1977 و2006، بين عدد من الشركات قبل أن يستقرّ امتياز «حلق المنزل» عند الشركة التونسيّة "توبيك" في 09 جوان 2006 بعد اقتنائها من الشركة النمساويّة "أو أم في" طبقا للفصل 34 من مجلّة المحروقات.. رفيق بن عبد الله