◄ تونس لم تشهد تدفّقا من الليبيين بسبب الحرب على طرابلس تواجه منظومة حقوق الإنسان عثرات وانتكاسات في أغلب الدول العربية حيث تقول أغلب التقارير الحقوقية الدولية، الموثوقة، أن هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان العربي، وترتفع وتيرة هذه الانتهاكات في البلدان العربية التي تشهد نزاعات مسلّحة. ومن بين هذه البلدان نجد ليبيا التي تعيش حالة من الفوضى والاقتتال والتطاحن منذ سقوط نظام معمّر القذافي، وآخر هذه النزاعات تلك الاشتباكات الجارية بالعاصمة طرابلس بين قوات جيش خليفة حفتر والقوات الداعمة والمساندة لحكومة فايز السرّاج المعترف بها دوليا.. وفي هذا الحوار لجريدة «الصباح»، يكشف رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، عبد المنعم الحرّ، أن هذه الحرب الجديدة في ليبيا خلّفت حوالي 614 قتيلا بينهم 94 مدنيا و6 عناصر طبية و18 سيدة و24 طفلا و2908 جرحى.. وأمام هذه النزاعات المسلّحة والمتواصلة في ليبيا منذ سنوات يواجه عمل المنظمات والجمعيات الحقوقية تحدّيات كبرى ورهانات مخيفة، حيث يتعرّض الحقوقيون للتنكيل من طرف جهات وأطراف مختلفة سواء كانت رسمية أو مجموعات وجماعات مارقة على القانون.. ومع ذلك نفى عبد المنعم الحرّ أن يكون هناك تدفّق لمهاجرين ليبيين نحو تونس بسبب الحرب على طرابلس.. ● يتسم العمل الحقوقي في مناطق التوتّر والنزاعات بالمجازفة والمخاطرة، فلو تقدّم لنا نشاط المنظمة العربية لحقوق الإنسان / فرع ليبيا والذي أنت أمينه؟ المنظّمة العربية لحقوق الإنسان منظمة حقوقية عريقة تم إنشاؤها بعد الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان وذلك في 10 ديسمبر 1983، مقرّها في القاهرة ولديها 23 فرعا في العالم، ومنها الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والمعهد العربي لحقوق الإنسان وهي أعضاء في المنظمة العربية لحقوق الإنسان.. وهذه المنظمة تعمل على نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في البلدان العربية، بالإضافة إلى ثلاثة فروع موجودة في أوروبا بالإضافة إلى زيادة في عدد الجالية العربية هناك.. ونحن نسعى في فرع ليبيا لنشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان من ناحية وكذلك الرصد والتقصّي وتوثيق الانتهاكات من ناحية أخرى.. ● في علاقة بعملكم الحقوقي، ماهي أبرز التحدّيات والرهانات التي تواجهها اليوم منظومة حقوق الإنسان اليوم في ليبيا؟ نحن كحقوقيين عملنا في ليبيا بمثابة السير داخل حقل ألغام.. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن الحديث عن حقوق الإنسان اليوم في ليبيا في ظلّ الفوضى الحاصلة؟ هل يمكن الحديث عن حقوق الإنسان وتعزيزها ونشرها في ظل سيطرة الجماعات المسلّحة والخارجة عن القانون؟ في ليبيا أعداء حقوق الإنسان كُثر من وجهات مختلفة وتتباين في مواقفهم، فيصعب في الحقيقة الحديث عن حقوق الإنسان في ظل غياب جيش أو أجهزة أمنية قوية تضمن إنفاذ القانون وتحمي منظومة حقوق الإنسان.. اليوم من يسيطر على هذه الأجهزة هي جماعات خارجة عن القانون، فالسيادة ليست لسلطة القانون والدليل على ذلك أن القضاء الليبي نزيه ومستقل ولكن لا يملك القدرة لجلب أمراء الحرب الذين يقومون بهذه الانتهاكات. في الحقيقة القدرة والإمكانيات في هذه الحالة مفقودة تماما وهذا يفتح بابا آخر وهو القضاء الدولي وخاصّة فيما يتعلّق بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية باعتبارها اختصاصا حصريا للجنائية الدولية.. ● أنتم بالأساس منظّمة عربية، فكيف تقيّمون مؤشّر حقوق الإنسان في العالم العربي؟ هنالك تقرير سنوي يصدر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان، واليوم بالنظر إلى حالة حقوق الإنسان في البلدان العربية وبالنظر إلى التقرير الأخير الصادر، نجد تفاوتا لحالة حقوق الإنسان من بلد إلى آخر... فهناك دول تعاني نزاعات مسلّحة وبالتالي لا يمكن الحديث فيها عن حقوق الإنسان في ظل انتشار الجماعات الإرهابية أو المجموعات الخارجة عن القانون. وفي الدول التي تشهد نزاعا مسلّحا يمكن تطبيق القانون الدولي الإنساني الذي يضمّ اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكوليها . وهناك دول اليوم عملت على تعزيز قوانينها الدولية بما يتواءم والمواثيق والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. في المقابل هناك دول في مراحل متدنية من مسألة تعزيز أو نشر أو احترام حقوق الإنسان، وذلك يختلف من دولة إلى أخرى وفق تحضّر هذه البلدان ومدى التزامها بمعايير الدولة المدنية والديمقراطية. هناك معايير يمكن القياس بها من دولة إلى دولة... حتى في الجانب الإقليمي لو أخذنا المغرب العربي فهناك فوارق شاسعة بين الخليج والمغرب العربي. ● هل تعتقد أن الإنسان المغاربي حقّق مكاسب حقوقية مقارنة بالإنسان العربي في منطقة الخليج؟ هنا علينا التفصيل في نقطتين مختلفتين، في المغرب العربي نجد الحقوق المدنية والسياسية ارتقت عن دول الخليج، ولكن في المقابل نجد أن دول الخليج تقدّمت في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ● ما هي أبرز الانتهاكات التي يواجهها اليوم الإنسان العربي؟ لعل أخطر ما يمكن الحديث عنه اليوم هو انتهاك حق الحياة، الاختفاء القسري، والتعذيب... هذه أخطر انتهاكات تواجهنا في هذه الحقبة.. ● كيف تقيّم وضع حقوق الإنسان اليوم في ليبيا؟ سيء جدّا وعلى كافة الأصعدة.. وأخطر انتهاك يواجهه الإنسان الليبي اليوم هو الحق في الحياة، وكذلك حالات الاختفاء، ولكن هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّه عند الحديث عن جريمة الاختفاء القسري يجب شرح مفهومها، فليس كل مختف يعتبر مختفيا قسريا، فالمختفي قسرا يجب أن تخفيه أجهزة رسمية تنكر أنه موجود عندها.. ● هل تسير ليبيا على المسار الصحيح في تتبّع وتعقّب الجناة؟ المسار الليبي خاطئ ولن يصل بنا إلى محاكمة وتتبّع المورّطين في انتهاكات حقوق الإنسان، الملف الليبي أحيل إلى الجنائية الدولية في 2011 وفق قرار 19/73 المادة 13 الفقرة ب. إذا أحيل إلى المدّعي العام ما يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت، بمعنى الإحالة في 2017، جرائم قد تم ارتكابها وبالتالي الجنائية الدولية ليس لها الحق في تعقّب جرائم قد تُرتكب بعد تاريخ صدور القرار الأممي.. ● أثارت وضعية المهاجرين في ليبيا قلقا أكبر وأهمّ المنظمات الحقوقية، فكيف تقيّمون أنتم هذه الوضعية؟ المهاجرون في ليبيا يقدّر عددهم اليوم ب700 ألف مهاجر، يوجد حوالي 20 مركز لجوء في ليبيا، يوجد داخل هذه المراكز وبشكل يومي من 3500 إلى 4 آلاف مهاجر، هذه المراكز رسمية تحدث فيها بعض التجاوزات والانتهاكات عندما نمسك أو نرصد أو نوثق انتهاكا داخل هذه المراكز الرسمية يمكننا ملاحقة من قام بهذا الانتهاك لأنه يخضع لمركز إيواء رسمي، ولكن الكارثة التي يجب أن تجد لها الدولة الليبية حلّا، هي الانتهاكات التي تحصل من قبل تجّار البشر والمهربين في مراكز احتجاز غير رسمية.. ● هل هناك أسواق لبيع المهاجرين في ليبيا... كما يُقال؟ وفقا لما رأيته أنا شخصيا الانتهاكات موجودة ودفع الفدية من أجل البقاء على قيد الحياة موجود، وأن يكون هناك بعض المهاجرين في مركز إيواء أو مركز احتجاز غير قانوني ويأتي أحدهم في إطار الحاجة لاستئجار أحد المهاجرين للقيام بالعمل مقابل مبالغ مالية، ولكن هذه لا تعد عملية بيع بالقانون لأن من يبيع يفترض أن يكون له سند للملكية.. هناك تحرّش جنسي بالمهاجرات وهناك شبكات دولية للمتاجرة بهؤلاء المهاجرين بهدف الحصول على فدية.. ● كحقوقيين، كيف تنظرون إلى وضعية المفقودين في ليبيا؟ في زمن النزاعات المسلّحة يفترض أن تعطي السلطات شهادة وفاة لذوي المفقودين، وهذا غير موجود واليوم أمام الفوضى التي تعيشها ليبيا لا نملك إحصائيات دقيقة حول أعداد المفقودين.. ثم هناك اليوم ملف الجثث مجهولة الهوّية في ليبيا، حيث تأكّد لنا كمنظّمات حقوقية وجود 700 جثة لعناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، في ثلاجات مدينة مصراتة منذ أشهر طويلة وأن هذه الجثث تعود لدواعش أغلبهم من تونس كانوا قد سقطوا خلال المعارك المختلفة في مدينتي سرت وصبراتة وغيرها من المعارك التي دارت على أراض ليبية. منية العرفاوي