ما تعيشه تونس من تحولات سياسية و من انتقال سلس نحو إرساء دولة القانون والديمقراطية العادلة، دفع بالكثير من أبنائها المغتربين للتفكير في العودة و الاستقرار بها. و بقدر ما يحق لتونس أن تفخر بأبنائها المغتربين، إذ هم كفاءات ذات مستويات عالمية في مختلف القطاعات، فإنها تزداد فخرا بمساهماتهم الفعالة في وضع خبراتهم و معارفهم و مهاراتهم التي راكموها طيلة تجاربهم المهنية العالمية، للمساعدة على بعث المشاريع و الاستثمار و تأهيل القطاعات. من هذه الكفاءات، التي عادت مؤخرا إلى تونس، نجد السيد فؤاد الراجحي، فبعد تجربة ثرية في كبريات المجموعات الفندقية والسياحية و المطاعم في أمريكا خاصة، و في جنوب إفريقيا و جنوب السودان و موريتانيا و الخليج و الجزائر، يعود الى تونس، كله عزم على المساعدة في الإقلاع الاقتصادي، حول كل ذلك و رؤيته خاصة لتطوير القطاع الفندقي و السياحي، كان لنا معه الحوار التالي: - بعد تجربة طويلة في المهجر ، كيف تختزل مسيرتك المهنية الزاخرة بالتحديات؟ - شكرا على الاستضافة، انا فؤاد الراجحي خبير فندقة و ادارة المؤسسات، ومختص في انقاذ المشاريع المتعثرة، قضيت اكثر من 25 سنة في امريكا حيث اشتغلت في سلسلات مطاعم و فنادق عالمية مثل "تشويس هوتيل" و "أكّور" و سلسلة مطاعم "سيلفر مينس" و "القولدن توليب"....،الخ،و تخصصت خاصة في اعادة تاهيل النزل التي تشكو من مصاعب، حوكمة و قمت بافتتاح العشرات من النزل الجديدة في ثلاث قارات من العالم امريكا و آسيا و افريقيا. ثم انا ابن المرحوم محمد العربي الراجحي، وهو الذي كرّس كل حياته في خدمة تونس، و قضاها في الاهتمام بالصالح العام. والدي سي محمد رحمه الله، كان رجلا وطنيا صادقا. اهتم منذ صغره بالمسائل الوطنية و شارك في بناء الدولة. . و الكثير من رجالات الدولة التونسية يذكرون افضاله و اياديه البيضاء على تونس، و اهالي سليانة و تحديدا برقو يذكرونه بكل خير. - عدت الى تونس منذ مدة قصيرة، ما الذي تغيّر فيها؟ الامل. فانتخاب الاستاذ قيس سعيد رئيسا للجمهورية، أعاد إحياء آمال كبيرة عند الشباب خاصة. وزاد في تغذية الشعور الوطني و الاحساس بالنخوة و الاعتزاز بالانتماء. هي لحظة مهمة تاريخيا، اردت ان اساهم فيها. لقد تعلمت في امريكا ان الحياة تقوم على "الاحلام و الفرص" و اعتقد اننا في تونس اليوم في لحظة حُلُم. و اريد ان أجعلها لحظة "فُرص". - كيف؟ لو تفسّر لنا ذلك؟ - الانتخابات الاخيرة بما خلقته من أمل، و ما بشّرت به من محاربة للفساد و من تجديد في الحوكمة و من فرض لسلطة القانون، تُغذّي الاحلام بتونس الجديدة. و تجعل التجديد الحضاري ممكنا. و انا جئت لاساهم في مرحلة البناء و التجديد هذه. تونس منحتنا الحلم و انا أريد ان أخلق الفرص. - ما الذي ستقوم به عمليّا؟ - سأوزع مساهماتي على نوعين. المساهمات المعرفية، التي تُعنى بتطوير المهارات و التأهيل من اجل خلق يد عاملة سياحية و فندقية و فرق التسيير الاداري و الخدماتي في الفنادق، و لذلك نحن بصدد انهاء تفاصيل بعث "الاكاديمة الامريكيةالتونسية السياحية" بالشراكة مع احدى اكبر المدارس السياحية في امريكا. و المساهمة الثانية هي في الاستثمار، حيث اني بصدد انهاء تركيز مشاريع استثمارية ضخمة مع شركاء تونسيين و اجانب، قصد المساهمة في التنمية و التشغيل. و فتح آفاق امام شباب تونس. - اذن انتم في خضم بعث المشاريع و المؤسسات، هل وجدتم تعطيلات؟ طبعا التعطيلات دائما موجودة. البيرقراطية و بطء الاجراءات مسألة نتمنى ان يتم التفكير فيها بجدية. السيد الرئيس وعد بالقيام بثورة في الادارة، و بالقيام باصلاحات كبيرة، نحن كلنا امل في ان يُسارع بذلك. و لكني اود ان اشكر في ذات الوقت التعاون الكبير و الحماس الذي وجدته من كل من اتصلت بهم اثناء قيامي باجراءات بعث مشاريعي المختلفة. - بعد هذه الخبرة الطويلة ، لا شك انكم تمتلكون رؤية و مشروعا متكاملا للقطاع السياحي و الفندقي في تونس، لو توضح لنا خطوطه العريضة.؟ السياحة قطاع استراتيجي مهم، راهنت عليه دولة الاستقلال منذ الستينات و هو يُساهم في الناتج القومي الخام و في الدورة الاقتصادية و في التشغيل. و لكنه كغيره من القطاعات يشكو من مشاكل متراكمة و صعوبات مالية. وضمن الرؤى الاستراتيجية لبعث الاستثمار السياحي من جديد نرى أن المنتوج السياحى والفندقي الجديد لا يجب ان يظل مقتصرا على المناطق السياحية التقليدية بين الحمامات وجربة وسوسة على أهميتها بل يمكن توفير التمويل اللازم لبعث فنادق ذات مواصفات عالمية في الشمال الغربي وتطوير أشكال الإقامات الريفية ودور الضيافة مع تأمين الغذاء الأيديولوجي ودفع الفضاءات الصحية السياحية بالتعويل على الإطارات الطبية في تونس. - هل تعملون على ذلك؟ العمل على ذلك مع الشركاء الاقتصاديين ممكن. ذلك ان عدة مجموعات سياحية تستثمر الان في جهات مختلفة ببلادنا مثل فندق الماريوت بالمركز العمراني الشمالي والمدينة السياحية القطرية بتوزر هذا ما يقتضي الاهتمام أكثر بفتح الآفاق الجديدة للنقل البحري والجوي بربط تونس بلدان أفريقية وأوروبية وهذا ما اكتشفته من خلال زياراتي المهنية إلى عدة بلدان كانت لي فيها فرص عمل من خلال تقديم الاستشارات القانونية والتجارية قبل بعث المشاريع وإتمام الأعمال. - ما هي شروط ذلك في اعتقادكم؟ - يقوم المستقبل الاقتصادي لبلادنا على تنقية مناخ الأعمال ومعالجة تدهور قيمة الدينار حتى يستعيد المستثمرون داخل تونس وخارجها الثقة التامة في المستقبل. و سياسيا لا بد من نبذ الاقصاء فتونس لكل ابنائها، و معا يُمكنهم خلق المعجزات. و كلي ثقة في الدور الذي سيقوم به رئيس الجمهورية في ذلك. و ادعو كل الاحزاب الى التعاون من اجل انجاز النقلة الاقتصادية و الاجتماعية التي يرجوها التونسيون و التونسيات. - في خضم بعث المشاريع و المؤسسات، هل وجدتم تعطيلات؟ طبعا التعطيلات دائما موجودة. البيرقراطية و بطء الاجراءات مسألة نتمنى ان يتم التفكير فيها بجدية. السيد الرئيس وعد بالقيام بثورة في الادارة، و بالقيام باصلاحات كبيرة، نحن كلنا امل في ان يُسارع بذلك. و لكني اود ان اشكر في ذات الوقت التعاون الكبير و الحماس الذي وجدته من كل من اتصلت بهم اثناء قيامي باجراءات بعث مشاريعي المختلفة. ماذا تقول في الختام؟ اود ان اعبر على بالغ فخري بما تعيشه تونس. لا يُدرك الكثير من التونسيين اهمية اللحظات التي يعيشونها. انا كنت في امريكا و في جنوب افريقيا و في الخليج، انهم ينظرون الى تجربتنا باعتزاز و انبهار. اعرف ان الوضع الاقتصادي و الاجتماعي صعب، و لكننا معا يُمكننا ان نتجاوز صعوباته. و انا عدت الى تونس من اجل ذلك. لا أريد الا ان أواصل مسيرة والدي في خدمة بلدي التي ادين لها بكل شيئ. واضع كل مهاراتي و خبراتي تحت تصرف الدولة التونسية.