لم تعد المؤسسة السجنية مكانا مخصصا لقضاء عقوبة ما فقط بل صار فضاء لتعدد الاختصاصات التي يجدها الأشخاص المودعين فيه والتي تكسبهم مهارات وخبرات يمكن استغلالها لاحقا من أجل توفير مورد رزق.. هذه الاختصاصات صارت بمثابة مدخول إضافي وأجر من اجل مساعدة عائلاتهم على توفير بعض المتطلبات اليومية سواء وهم في داخل السجن أو حين انتهاء مدة العقوبة. هذه الاختصاصات التي تم بعثها بالسجن المدني بمنوبة لعل أبرزها الخياطة والحلاقة وصنع الحلويات وهي مهن الغاية منها توفير أجرة شهرية إضافة لشهادة مهنية تتحصل عليها السجينات ولعل الملفت للانتباه أن هذه الأجور تمكنهن من مدخول شهري يساعد في إعانة عائلاتهن خارج السجن. ولمزيد تسليط الضوء عما خفي من عالم السجينات تنقلت «الصباح الأسبوعي» إلى السجن المدني بمنوبة للالتقاء بعدد من السجينات اللواتي يشتغلن ببعض الاختصاصات ويتقاضين أجورا نظير ذلك يعلن من خلالها عائلاتهن على مجابهة مصاريف الحياة اليومية.. بعد الدخول للسجن والخضوع لعدة إجراءات قانونية للتثبت من هويتنا، ولجنا داخله وقد كانت ترافقنا إحدى الأعوان لنجوب أروقة السجن المتعددة للاطلاع على القاعات المخصصة للحلاقة وصنع المرطبات والخياطة وما إلى ذلك من بقية الاختصاصات وهناك وجدنا عديد السجينات اللواتي كن يبذلن مجهودات من أجل تقديم الأفضل. تحدثنا لعدد منهن حيث كانت البداية بسجينة تدعى «أ» عمرها 37 سنة وقد قضت قرابة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر داخل السجن وهي محكومة ب6 سنوات سجن من اجل الاتجار بالمواد المخدرة والتي أعلمتنا أنها بصدد العمل صلب ورشة «الحلو الأوروبي» منذ ما يفوق عن السنتين كاختصاص اختارته. وأوضحت أنها تلقت تكوينا لمدة ستة أشهر من قبل مختصين في المجال خاصة وأنها لم تكن لها أية معرفة أو دراية بهذا الاختصاص وأنها في المقابل متحصلة على شهادة جامعية في الإلكترونيك، ثم انطلقت في العمل في هذا الاختصاص بعد تحصلها على شهادة في الغرض.. وعن سبب اختيار اختصاص «الحلو» كشفت محدثتنا أنها ربما تجد مورد رزق لها بعد مغادرتها للسجن بعد قضائها للعقوبة المسلطة عليها. وعن وضعيتها الاجتماعية بينت أنها متزوجة ولها ابنة تبلغ من العمر 9 سنوات وهي من تكفلت بان تعيل ابنتها خاصة وأن زوجها مسجون أيضا مضيفة أنها تركت ابنتها لدى والدتها المريضة وقد أجبرت على التكفل بتوفير مصاريفها. وصرحت محدثنا أنها تسعى لبعث مشروع خاص بها بعد الخروج من السجن يقيها شر الحاجة، مستغلة الشهادة التي تحصلت عليها من السجن. وعن ظروف قضائها لعقوبتها أوضحت أنها تلقى الدعم والإحاطة والمعاملة الطيبة من كافة الأعوان فضلا عن التشجيع والمساعدة من أجل قضاء العقوبة. وختمت قائلة أنها تدعو عموم المواطنين إلى النظر إليها بعين الرحمة لرعاية ابنتها «نصفها الآخر» ووالدتها. *أما السجينة «س» محكومة ب30 سنة سجنا من أجل جريمة قتل نفس بشرية حيث قضت 18 سنة بأكملها بالمؤسسة السجنية وهي تشتغل منذ 11 سنة في مجالات متعددة منها الخياطة و»الكروشي» و»الطريزة» والحلويات إلا أنها الآن بصدد العمل ضمن اختصاص الخياطة الذي اعتبرته من أكثر المجالات التي استهوتها. وقد بينت محدثنا أنها تطمح إلى تقديم أحسن وأفضل ما لديها. وأضافت أن ما أثلج صدرها هو المبادرة التي توختها الإدارة وتتعلق بتكريم أبناء السجينات النجباء من بينهم ابنتها الوحيدة التي تحصلت على شهادة «البكالوريا» في العام الفارط والتي أرسلت لها لاحقا رسالة لتشكر إدارة السجن على تلك المبادرة التي استحسنتها وأدخلت البهجة والفرحة على نفسها. وأكدت محدثتنا أن الإدارة السجنية سعت جاهدة لضمان مستقبل السجينات من خلال بعث جملة من الاختصاصات للتكوين وكذلك في نفس السياق ضمان مستقبل أبنائهن ولم يدخروا أي جهد في سبيل ذلك وهو ما دفع بها للسعي للتطوير من ذاتها من خلال التواصل مع إدارة السجن حيث صار بإمكانهم الحصول على قروض بحسب الشهائد المتحصل عليها خاصة وأنها متحصلة على أربع شهائد في اختصاص الحلويات التقليدية والخياطة وصنع الحلي والرسم على جميع المحامل فضلا عن السعي لإدماجهم بالمجتمع بعد الخروج وضمان رعاية لاحقة لهن ومتابعتهن بعد مغادرة السجن. وبخصوص ظروفها الاجتماعية أوضحت أن ما تتقاضاه من أجر تقوم بإرسال جزء كبير منه لشقيقتها الأرملة والتي ليس لديها أبناء من اجل مساعدتها على توفير مصاريف ابنتها التي تعيش معها. وبخصوص زوج محدثتنا أوضحت أنه تخلى عنها وعن ابنتها ، وان التشجيع التي حظيت به من قبل إدارة السجن هو الذي ساعدها على مجابهة عقبات الحياة وأعبائها. «ر» سجينة عمرها 44 سنة محكومة ب30 سنة سجنا من اجل تهمة تتعلق بالقتل، أوضحت أنها متزوجة ولها ابنة تمكنت السنة الفارطة من اجتياز «البكالوريا». وبينت محدثتنا أنها مولعة جدا بالمطبخ وخاصة بصنع الحلويات وهو ما دفعها للحصول على تكوين في «الحلو العربي» حيث تأمل في بعث مشروع خاص بها لاحقا في هذا المجال. وبخصوص ابنتها كشفت أن عائلتها وعائلة زوجها ترعياها وتعتنيان بها مستغلين في نفس السياق ما ترسله من حين لآخر من أموال تساعد في مجابهة مصاريفها. أما المدعوة «ض» وهي سجينة من أجل تهمة المسك بنية الاتجار بالمخدرات حيث صدر في شأنها حكم يقضي بسجنها لمدة سبع سنوات وهي حديثة الحصول على شهادة في اختصاص الخياطة منذ أيام قليلة وقد التحقت باختصاص صنع « الحلو العربي» من أجل مساعدة خالتها التي لها مشروع في نفس الاختصاص عندما تغادر السجن. وقد أكدت أنها بصدد التحضير للمشاركة في أيام قرطاج المسرحية المزمع تنظيمها في شهر ديسمبر القادم من خلال تجسيد دور امرأة عجوز في الثمانينات من العمر والتي ترغب في الزواج في ظل معارضة ابنائها. وأوضحت محدثتنا أنها متزوجة ولها طفلان أعمارهما 8 و10 سنوات وأن زوجها يعمل موظفا وأن عائلتها ميسورة الحال وبالتالي فان مشاركتها في الاختصاصات المذكورة إنما بغاية كسب الخبرة والتجربة لا غير.. اختصاصات و آفاق جديدة رئيسة مصلحة الشؤون العامة والرعاية والإصلاح ريم الثيتمي بينت أن هناك سبعة اختصاصات بالسجن على ذمة السجينات وهي صنع المرطبات التي تضم المرطبات التقليدية والأخرى الأوروبية كذلك هناك اختصاص الخياطة والفصالة، التطريز، الحلاقة و»التنظيف بالشائح» والإعلامية وأخيرا الخط العربي. وعن كيفية حصول السجينات على مستحقاتهن وأجورهن ذكرت الثيتمي أنها تكون بحسب الإنتاجية لكل سجينة وبحسب جملة من الشروط الأخرى التي وجب أن تتوفر والتي من بينهما مدى المواظبة على الحضور والمثابرة التي تقدمها فضلا عن أن أجر السجينة المحنكة والتي لها التجربة، حيث يقع بعث مراسلة وزارة المالية مرفقة بقائمة أخرى في إنتاجية كل سجينة وهي من تقوم لاحقا بصرف الشيك وخلاص السجينات. وكشفت محدثنا أن هناك اختصاصات تزدهر في فترة معينة على غرار المرطبات التي ترتفع وتيرتها في شهر رمضان المعظم والأعياد حيث يقع إنتاج أطنان من البقلاوة و»الحلو العربي» لتصل أجرة السجينة الواحدة تقريبا بين 1200 و1300 دينار شهريا. أما السجينات اللواتي يقمن بأعمال داخل السجن والتي تسمى «الكرفي» فإنهن يتقاضين أجرا على تلك الأعمال من بينهن «كبرانات» الغرف وناظرة الغرف وكذلك اللواتي يقمن بتنظيف السجن واغلبهن من الأميات واللواتي لا يتقن أي شيء آخر وليست لهن أية ميول، كذلك من يقمن بتوزيع «الاقفاف» على السجينات في غرفهن وكذلك السجينات اللواتي يعملن بالمشرب والمغازة والمطبخ فإنهن يتقاضين شهريا أجرا محترما يكفل لهن حاجياتهن ومتطلباتهن من الكماليات. وختمت أن عدد السجينات اللواتي يحظين بتكوين في جملة الاختصاصات المذكورة يبلغ خلال الدورة الحالية 22 سجينة وأنهن يقمن بتنظيم دورتين أو ثلاث سنويا تخصص للسجينات. سعيدة الميساوي جريدة الصباح الاسبوعي مديرة السجن المدني بمنوبة: تنقيح المجلة الجزائية لتفادي الإشكالات أوضحت مديرة السجن المدني بمنوبة العقيدة جميلة صميدة أن هناك إشكالين يطرحان بخصوص تشغيل السجينات الأول على المستوى القانوني الذي لا يجيز لكل شخص موقوف تلقي أي تكوين أو العمل إلا أنه بصفة استثنائية في سجن النساء بمنوبة يقع تشغيل النساء السجينات لان المرأة بصفة عامة لا تحبذ الجمود في مكان واحد وإنما يطغى عليها الجانب النشيط والحركي فهي وان كانت موقوفة فإنها ترغب في العمل وبالتالي فان عملية تشغيلهن لا تهدف إلى خرق القانون وإنما يراد منها إحداث موازنة في المؤسسة السجنية التي تضم نسبة هامة من السجينات الموقوفات. أما الإشكال الثاني فهو يتمثل في السعي لاكتشاف قدرات السجينات لإدماجهن لاحقا في المجتمع وإيجاد موازنة بين الشغورات الموجودة ورغبة السجينات في الالتحاق بالاختصاصات المتوفرة. وشددت صميدة على أن السجينات اللواتي يشتغلن بجملة الاختصاصات المذكورة يقمن بإرسال مبالغ مالية لعائلتهن كنوع من المساعدة على مجابهة مصاريف الحياة.. مضيفة بخصوص الأجر الذي يتحصلن عليه يختلف من سجينة لأخرى بحسب إنتاجيتها لان اجر العاملة المختصة ليس كأجر العاملة المنتجة التي تصل أجرتها إلى أكثر من ألف دينار. وكشفت صميدة أن أغلب السجينات يعملن من اجل توفير متطلبات أبنائهن حيث يصل بهن الأمر إلى الاقتصار على ما توفره إدارة السجن من أكل من اجل توفير المال لإرساله للمساعدة خاصة في مصاريف العودة المدرسية.