يأتيك صوته عبر الهاتف قويا بلا ارتجاف واثقا تسأله عن أحواله فيجيبك بكلمات مسترسلة غير متقطّعة "الحمد الله دائما وأبدا"... هو أحد المصابين بفيروس كورونا في ولاية توزر والمقيم في أحد الفضاءات المخصّصة للحجر الصحّي الاجباري. اخترنا لمُحدّثنا اسما مُستعارا "كمال" يجيبنا عن وقع خبر اصابته بكورونا على نفسيته فيقول دون تردّد أو تفكير أن الإنسان معرّض في حياته لجميع الأمراض على اختلافها كورونا أو غيرها وأن على الانسان المؤمن أن يكون واثقا بالقضاء والقدر، مُبينا أن خبر اصابته لم يكن متوقّعا بالنسبة اليه لكنه ليس مُزلزلا. وتابع بأنه مُدرك بوجوب أن تكون الحالة النفسية في أحسن حالاتها حتى يتم القضاء على الفيروس. ووصف ظروف الإقامة ب "الجيدة" وأن كل ساعتين يأتي الى باب غرفته أحد الممرضين مصحوبا بجهاز لقيس الحرارة للكشف اذا ما ارتفعت حرارته واستوجبت التدخّل، ولتتحدّث معه المُمرّضة بكثير من البشاشة على المحيى وابتسامة على الشفاه وحلو الكلام على اللسان، كلمات قال ما ان تنطقها الممرّضة فيرتاح داخله وتحيي عصافير الأمل في روحه. ظروف الاقامة طيبة وذكر كمال أن الوجبات الرئيسية الثلاثة التي يتلقّاها صباحا (فطور الصباح) وظهرا (الغذاء) والمساء (العشاء) مرضية بما أنها تضمّ قطعا من الخبز والغلال واللحوم اضافة الى السلطة والوجبة الرئيسية وأحيانا تكون مصحوبة بقليل من العسل وبعض المُكسّرات وأن القهوة لا تغيب عن فطور الصباح، مُبرزا أن حالته الصحية جيّدة ولا يشكو من أية أعراض، مُقرّا أنه لو لا التحليل الذي أجراه لما اكتشف اصابته لأنه لم تظهر عنه الأعراض ولا حتّى سعال ولا وجع رأس. واعتبر كمال أن أهم خبر وصله وهو في عزلته ورفع معنوياته وأدخل الفرح الى قلبه نتائج تحليل عائلته التي أتت سلبية والتي ظلّ يعدّ الدقائق والساعات بقلق كبير في انتظار صدورها، مشيرا أنه منذ قدومه من جربة والتنبيه عليه من قبل وحدات الحرس المدني ونشطاء من المجتمع المدني التزم بالحجر الذاتي. كيف يقضي كمال يومه؟ وتابع كمال أن لا شيء يزعجه غير الوحدة التي يعيشها منذ أن نقل الى هذا المكان منذ صباح يوم الجمعة 27 مارس الجاري وأنه يتفهّم اجراءات اغلاق الغرفة عليه كاجراء وقائي احتياطي لتجنّب العدوى ومتابعة حالته عن قرب، موضحا أنه قيل له أنه سيقع ربط مركز اقامته بالانترنات شاكرا هذه المبادرة داعيا الى توفير جهاز تلفاز في غرفته ليكون له خير أنيس، مبيّنا أنه يقضي يومه بين الصلاة في أوقاتها والنوم وتجاذب أطراف الحديث مع عائلته عبر الهاتف ليستقي أخبارهم ويطمئنهم عن حالته، وأنه اكتشف أصدقاء جدد يتحدّث معهم باستمرار عبر الهاتف وهم من المصابين أمثاله من نفس الولاية يشكو لبعضهم همومهم المشتركة، كما يفتح النافذة لتهوئة الغرفة أو للوقوف خلفها لاستنشاق الهواء ورؤية مباني المدينة من بعيد، على أمل أن يخرج من هذه الجدران قريبا ويعانق أزقّتها.