بعد حوالي شهر عن انطلاق خطة عمل حكومة الياس الفخفاخ لمواجهة فيروس كورونا بدأت تتراجع المخاطر الصحية والاقتصادية والأمنية الكارثية التي كانت تهدد البلاد .. بل برزت وحدة وطنية وتراجع الاهتمام بالمعارك السياسوية السابقة ..فكسبت الحكومة الجديدة الجولة الأولى.. كما تنفس الصعداء لأن أوضاع المستشفيات العمومية تحسنت بسرعة ..ولم يترك المرضى تحت رحمة "مصحات خاصة" ( كثير منها أجنبية بنسبة أكثر من 70 بالمائة ) تغولت أكثر من اللازم ..وهددت بمطالبة كل مريض بتسبقة ب20 ألف دينار وبمقابل عن العلاج لا يقل عن 63 ألف دينار..؟؟ ++ وقد قدم الخبير في الدراسات الاستشرافية حسن الزروقوني مطلع الشهر الماضي دراسة مثيرة قدرت حذرت من سيناريو سقوط 300 ألف ضحية بسبب هذا الفيروس.. وزارة الصحة ..في الموعد ولم تكن تلك الدراسة ارتجالية لأن وزير الصحة عبد اللطيف المكي ومجموعة من الخبراء حذروا بدورهم من سيناريو تضاعف عدد الضحايا ، في صورة الانتشار الأفقي للعدوى ، وعدم مبادرة مؤسسات الدولة بقرارات جريئة تطبق بحزم.. ورغم بعض الثغرات والملاحظات تبين أن القرارات التي اتخذتها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ودعمها البرلمان كانت ناجعة جدا ..وعلى رأسها حظر الجولان ليلا وغلق المقاهي والملاهي والجوامع ومؤسسات التعليم والمطارات والحدود البرية والبحرية ..ثم اعلان الحجر الشامل.. وضع كارثي للمستشفيات حصل تململ ، وهناك مؤشرات تململ جديد وبعض التحركات الاجتماعية الاحتجاجية ..لأن مئات الآلاف من العمال والعائلات ليس لديهم مورزق رق قار.. لكن القرارات أثبتت نجاعتها فوقعت محاصرة عدد الوفيات..فلم يتجاوز الثلاثين بعد أكثر من شهر ..كما لم يبلغ عدد المصابين الألف رغم عودة عشرات آلاف التونسيين من الخارج خلال الاشهر الثلاثة الماضية ، بينهم نسبة من المقيمين بصفة دائمة في اوربا و"تجار شنطة " وسياح ومشاركون مهما شرقا وغربا.. كما أثبتت خطة التحرك المركزية في مستوى اللجان الوطنية في القصبة ووزارة الصحة وبقية مؤسسات الدولة وفي مستوى المجتمع المدني نجاعتها ..شمالا وجنوبا ..في المدن وخارجها.. رغم الوضع الكارثي للمستشفيات العمومية خارج العاصمة والساحل.. في شهر رمضان وإذ يستعد الشعب ومئات ملايين المسلمين لاستقبال شهر رمضان بخصوصياته الروحية والثقافية والاقتصادية يبدو أن "وباء كورونا " سيحرم البلاد والعالم من أجوائه.. كما ستخسر خلال شهر رمضان أكثر المؤسسات الثقافية و الإعلامية والاقتصادية والطبقة العاملة فرصا لتحسين أوضاعها المادية ..على غرار ما جرت عليه العادة.. لكن تطبيق قاعدة " الأهم قبل المهم " يبرر مثل هذه الاجراءات الحكومية الاستثنائية ..حماية للأنفس البشرية ، خاصة أن عدد الضحايا في في كل بلد من البلدان المجاورة لتونس مثل ايطاليا واسبانيا وفرنسا ناهز المائة ألف فيما يحوم عدد الوفايات إلى حد الآن في كل منها حول 10 آلاف ..رغم التقدم الاقتصادي والطبي في تلك الدول.. اجراءات مصاحبة وفي مستوى آخر نجحت الحكومة ، رغم حداثتها ، في الحصول على دعم مالي دولي تحوم قيمته حول ال4 مليار دينار ، وهو رقم قد يرتفع بوضوح في صورة مزيد توظيف العلاقات الدولية للفاعلين السياسيين والاقتصاديين الرسميين والمستقلين.. كما امتصت الاجراءات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة جانبا كبيرا من الغضب الشعبي ..وشملت حوالي مليون تونسي وتونسية ، رغم التحيل الذي تورط فيه حوالي 4 آلاف موظف كانوا مرسمين في قائمات الفقراء والمعوزين ..ونجحت الرقمنة وخطة الاصلاح التي قامت بها وزارتا الشؤون الاجتماعية و تكنولوجيا الاتصال في وقف النزيف ، ومنع 3400 من الحصول على المنحة ، في انتظار تتبع ال600 الذين ثبت تحيلهم وحصولهم عليها بغير حق.. ++ كل هذا ايجابي..لكن السؤال يظل : ماذا بعد ؟ قد يكون من السابق لأوانه تقديم قراءات استشرافية شاملة.. لكن رب ضارة نافعة.. فقد كشفت هذه الأزمة شناعة ما ارتكب خلال ال40 عاما الماضية من " تدمير"القطاع العام خاصة في مجالي الصحة والتعليم.. ومكنت الحملات التضامنية الوطنية والجهوية وتدخلات الدولة من تحسين أوضاع المستشفيات التي " خربتها المافيات " خلال العقود الماضية.. فعسى أن يتواصل هذا الجهد.. ولا بد من تحقيق " توازن جديد" بين القطاعين العام والخاص في قطاعات الصحة والتعليم والنقل ..الخ بعد أن تأكد أن " بعضهم " دمر مكاسب الصحة العمومية والتعليم العمومي ..بما في ذلك مستشفيات عملاقة..