- ليس غريبا علينا أن نسمع خبر فشل المفاوضات المسماة بالمفاوضات الاستكشافية، لأننا تعودنا مرارا وتكرارا على سماع مثل هذا الخبر وعلى مدار 20 سنة ماضية من المفاوضات الماراتونية التي لا تؤتي أكلها بداية بمؤتمر مدريد في مطلع التسعينات من القرن المنصرم مرورا باتفاقية أوسلو والقاهرة وطابا وشرم الشيخ و واي ريفر والعقبة ووثيقة جنيف وكامب ديفيد 2002 وخارطة الطريق والمبادرة العربية وانابوليس وصولا الى مفاوضات عمان الاستكشافية، وجميعها كانت فاشلة ومضيعة للوقت، ونحن السبب في ذلك لأننا في كل مرة ننساق وراء المفاوضات العبثية ولم نتعلم من دروس الماضي حتى أصبحنا كالعطشان الذي يلهث وراء السراب ولم يجد قطرة ماء ليروي ظمأه، ونكابر ونقول لدينا خيارات مفتوحة، وأتساءل ما هي الخيارات التي تحدث عنها عباس، هل يقصد بها إعلان الدولة الفلسطينية المعلن عنها سابقا في الجزائر في أواخر الثمانينات ولم تقم لها قائمة حتى الآن؟ أم هي إعلان حق العودة للاجئين الذي اقر في كثير من قرارات الأممالمتحدة وغيرها منذ عقود طويلة؟ أم هي حل سلطة أوسلو على اعتبار أنها كانت تجربة فاشلة لم تحقق شيئا للشعب الفلسطيني؟ أم هي تقديم استقالته التي سبق أن أعلنها قبل عامين ولم يتزحزح؟ أم ماذا يقصد عباس بالخيارات المفتوحة التي يمتلكها؟ لقد انتهت جولات المفاوضات الاستكشافية بالفشل بعد أن انتهت المدة الزمنية الممنوحة لها من قبل اللجنة الرباعية حتى تاريخ 26 من هذا الشهر بناء على الطلب الفلسطيني، وفي الواقع أن سلطة التفاوض الفلسطينية أبت إلا أن تضع نفسها في مأزق محرج كونها لا تمتلك قرارات سياسية فعلية وعملية حال تعرضت المفاوضات للفشل وهذا الأمر كان واردا ومتوقعا مسبقا، فقد اظهر جميع المسؤولين الفلسطينيين روحا تشاؤمية تجاهها، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا وافقتم عليها طالما أنكم متشائمون بنتائجها؟ أم لعل تصريحات السلطة المتشائمة بالنتائج هي محاولة لطمأنة أو تضليل الرأي العام الفلسطيني للحفاظ على ماء وجهها، إذا ما تعرضت للانتقادات في حال باءت المفاوضات بالفشل كي تفهمنا أن الفترة الزمنية للمفاوضات من شهرين لا تمثل شيئا في عمر الزمن ولا تؤثر على مشروع المصالحة التي أخذت تراوح مكانها. كيف لا وقد أعطى أبو مازن ظهره للمصالحة وأدار بوصلته نحو المفاوضات السرية والعلنية، صحيح أن المفاوضات العلنية في عمان قد انتهت لكن المفاوضات السرية لازالت جارية لا يعلم عنها احد شيئا، ولا غرابة في ذلك فمن المعروف عن عباس انه يسلك الطريقين معا كما فعل في المفاوضات السابقة، وهذا ما اخشاه أن يكون هذا من ضمن خياراته المفتوحة، بدليل انه سيرجع إلى الرباعية العربية بما يسمى بلجنة المتابعة العربية للتشاور من جديد ليوفروا لنفسه الغطاء العربي الذي يتدثر به في مواجهة الرفض الوطني والشعبي لاستئناف المفاوضات سواء كانت سرية أو علنية لحينها كي يكون له مبرر بان أي خطوة فلسطينية في المفاوضات تمت بالتشاور والموافقة العربية وان كان بعيدا عن التشاور والموافقة الفلسطينية، وكأن الموقف العربي بالنسبة له ولفريقه المفاوض أهم من الموقف الفلسطيني، وأي عرب يعتز بمواقفهم عباس، أنهم عرب المشروع الأمريكي الإسرائيلي الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال، وهنا الطامة الكبرى بان عباس لم يتعلم من دروس الماضي، فبالله ماذا حققت لجنة المتابعة العربية لفلسطين وشعبها منذ النكبة؟ وأين هي اللجنة الرباعية الدولية من الاستيطان والتهويد والعدوان والحصار والاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف نراهن على من اوجدوا الكيان المحتل ويمدونه بكل الإمكانات المتاحة لديهم؟ وكيف نعول على من يدق الأسافين ويحارب المصالحة ويؤيد استمرار الانقسام؟ لعل عباس وفريقه المفاوض قد فهموا الآن الدرس، بان طرق المفاوضات غير مجد وان المفاوضات والمصالحة خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، فلو دققنا قليلا واحتكمنا للمنطق نجد أن المفاوضات تعني أن نخسر كل شيء، وأما المصالحة فتعني أن نكسب كل شيء -على اقل تعديل- وحدتنا الوطنية التي تمثل قوتنا وثوابتنا وطننا الذي فيه معاشنا، فلم يسجل التاريخ آن أرضا احتلت قد عادت بفعل التفاوض في ظل غياب موازين القوى بين المحتل الذي يغتصب الأرض، وبين صاحب الحق الشرعي الضعيف إلا في أبجديات السياسة العربية وسلطة أوسلو، التي وضعت نفسها وشعبها في حالة التردي والضعف بفعل التنازلات المجانية، حتى أصبحنا لا نستطيع استرداد ما تم أخذه لا بالقوة ولا بالتفاوض. فكون السلطة التفاوضية مستمرة في المغامرة والمراهنة على مواقف الآخرين ومهملة الموقف الفلسطيني سيكون هذا بمثابة انتحار للقضية الفلسطينية والذي يؤكده هو بقاء الأمر الفلسطيني على ما هو عليه، بل التراجع المستمر دون تغيير أو إعادة التفكير لما بعد فشل الشهرين من المفاوضات، لذا يجب اتخاذ خطوات فعلية تجاه المصالحة الفلسطينية، وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، والاستعداد للمرحلة المقبلة بعد فشل المفاوضات واعتقد أن هذا هو أهم الخيارات التي لازالت في تقديري حتى اللحظة مفتوحة أمام عباس، وإلا ستكون بمثابة بداية تراجعات جديدة مؤلمة ستلقي بظلالها على القضية الفلسطينية برمتها. أستاذ الاجتماع والعلوم السياسية غزة