تزور تونس هذه الايام المناضلة الفلسطينية الكبيرة أم كامل الكرد.. وسيكون لها بعد ظهر اليوم الأحد في قاعة الكوليزيه وسط العاصمة تواصل مع الجمهور التونسي خلال تظاهرة تضامن مع الشعب الفلسطيني تنظمها الجمعية التونسية «جمعية أحباء بيت المقدس» بمناسبة ذكرى يوم الارض.. وقد أوردت المناضلة الفلسطينية «الأسطورية» بصمودها في القدسالمحتلة فوزية أم كامل الكرد في حديث ل»الصباح» أن «سر نجاحها في التعريف بمعاناة شعبها والسكان العرب في القدسالمحتلة هو أنها آمنت بتحويل المصائب إلى نقطة قوة.. والكوارث العائلية والشخصية إلى حافز إيجابي يدعو إلى متابعة النضال بهدوء برودة أعصاب من أجل القضايا العادلة للشعب الفلسطيني الأعزل المنكوب منذ عشرات السنين بالاحتلال..».
كانت أم كامل تتحدث بثقة في النفس وبابتسامة سيدة حكيمة في الستين من عمرها.. حدثتنا ببرودة أعصاب عن مسلسلات القمع والممارسات الوحشية التي تعرضت لها من أجل الضغط عليها لإخلاء بيتها وطردها مع عائلتها وزوجها المقعد بهدم بيته ضمن سلسلة عمليات الطرد للسكان العرب في القدسالمحتلة.. ومسار «تهويد مدينة القدس العربية».. قالت لي أم كامل:»بعد فشل محاولات إغرائي ببيع بيتي لمستوطن إسرائيلي.. ومفاوضات دخل فيها معي عدد من كبار المسؤوليين في قوات الاحتلال.. تمسكت بحقي في بيتي وأرضي وبلدي.. بعد ذلك اغتصبوا نصف البيت الذي كان مساحته 2400 متر وأسكنوا عائلة مستوطنة فيه وطردوا بعض أبنائي .. ثم داهمني بعض جنود الاحتلال لكني انتصرت عليهم وفشلوا في إقناعي بإخلاء البيت.. وفرضوا عليّ خطايا مستظهرين بعقود مزيفة توهم بأن صاحب الأرض يهودي.. بعد ذلك طوقوا بيتي وكامل حي الشيخ جراح مع حوالي الثالثة فجرا بعدد خيالي من قوات الاحتلال (وكأنهم يستعدّون لحرب) ثم انتهكوا حرمة غرفة نومي حيث كنت إلى جانب زوجي المقعد.. واختطفوني ورموني مكبّلة اليدين والرّجلين في العراء.. ثم ألقوا بزوجي المقعد في الشارع فأصيب من هول المشهد والتأثر بجلطة قلبية.. وهو يرى بيته يهدّم وعائلة مستوطنة تنصب في جزء منه..
قتلوا زوجي.. واغتصبوا أرضي
وتتابع المناضلة المقدسية روايتها المأسوية ل«الصباح» قائلة: منعوا عن زوجي سيارة الإسعاف... فتعقدت وضعيته الصّحية.. ثم استشهد متأثرا بالجلطة.. وجنود الاحتلال يحاصرون الموقع.. رغم احتجاجات سكان حي الشيخ جراح.. بعد ليلة مكبّلة اليدين في العراء نجح بعض الشبان في فك أسري وعدت إلى بيتي المهدّم والمحتل فاكتشفت أن زوجي المريض استشهد.. هنا يبدأ طور آخر من النضال الأسطوري لأم كامل.. ما ترويه في حديثها معنا..
جعلت من الضعف قوة
تقول هذه المرأة الشهمة: «لقد أقسمت أن لا أضيّع الوقت في البكاء وأن لا أنهار.. وأن أخلق من الضعف قوة.. هدّموا بيتي واحتلوا أرضي وقتلوا زوجي.. لكنني لن أنهار.. وتفرغت لخدمة قضية شعبي.. والتشهير بوحشية قوات الاحتلال وبسياسة تهويد القدس وفلسطين.. وقد لقيت تحركاتي صدى طيبا والحمد لله، فأصبح آلاف من أنصار السلام من العالم أجمع يتوافدون على الخيمة التي أقمتها قرب بيتي وأرضي وموقع استشهاد زوجي المريض.. بل لقد أصبحت خيمة أم كامل مشهورة جدا في أوروبا وأمريكا والعالم أجمع.. وزارني عدد كبير من نشطاء السلام من مختلف الجنسيات والأديان بينهم أعضاء في الكونغرس ورسميون كبار في الولاياتالمتحدة وأوروبا.. بينهم يهود اسلم من بينهم اثنان في خيمتي، وقد خرج أحدهما يوما للتظاهر ضد قوات الاحتلال فقتلته.. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أقول للقادة الأمريكيين: إن السلاح الذي أعطيتموه إلى القوات الإسرائيلية ليقتلوا به الفلسطينيين أصبح يستخدم لقتل أبنائكم ومواطنيكم.. رغم حجم معاناتها الشخصية تبقى أم كامل صامدة.. وجاءت إلى تونس لتوجّه منها رسالة الى العالم فحواها:» أقتلوني.. مزقوني.. لن أخرج.. لا، ولن تحصلوا على ذرّة من تراب أرضي تنازلا مني»..