بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة لعيد الثورة، شهد الشارع الرمز، شارع الحبيب بورقيبة العاصمة، الذي إزدان صباح اليوم الخميس بألوان العلم الوطني، كعادته في مثل هذه المناسبات الكبرى، حركية متزايدة، تجلت في تنظيم تظاهرات مختلفة لأحزاب سياسية ومنظمات وجمعيات. كما تواجدت أعداد غفيرة من المواطنين الذين عبروا ل(وات) عن مطالبهم ومواقفهم من حصيلة ثورة الكرامة التي اندلعت شرارتها الأولى بولاية سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 على إثر إقدام أحد أبناء الجهة، على إحراق جسده. فقد أجمع عديد المارة على المطالبة بتحسين ظروف عيشهم ومحاسبة قتلة أبنائهم من شهداء الثورة. وفي هذا الصدد اعتبر الشاب أحمد بن صالح وهو أصيل ولاية الكاف، أن "الثورة التونسية خيبت آماله وطموحاته في إيجاد عمل"، ملاحظا بنبرة غاضبة، يائسة أنه "متحصل على الأستاذية في علم الإجتماع ولديه ثلاثة أبناء يزاولون تعليمهم الإبتدائي وهم بحاجة للعناية". وقال بن صالح "إن المواطن التونسي تضرر فعلا من السياسة الحالية للدولة التي لم تتجه نحو الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي، خاصة أمام إرتفاع أسعار المواد الإستهلاكية وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن وتصاعد نسبة البطالة"، مضيفا قوله: "لم نجن من الثورة إلا شعارات وعبارات فضفاضة لا تغني ولا تسمن من جوع، كالإنتقال الديمقراطي والعدالة الإنتقالية". وفي مكان آخر من شارع بورقيبة رفعت امرأة في العقد الرابع من عمرها، قفة فارغة، وهي حركة رمزية أرادت من ورائها لفت الإنتباه إلى الظروف الصعبة التي تمر بها هي وأمثالها، متوجهة إلى مبعوثة (وات) بالقول: ""ما جدوى الكلام وأنتم تشاهدون وضعيتنا المتردية ولا تبلغون أصواتنا". واستطردت بعد لحظات لتقول: "أنا أرملة وأم لطفلين .. ظروفي الإجتماعية الصعبة لم تتغير إلى حد هذه اللحظة .. بعد خمس سنوات من ثورة أطاحت بالرئيس الأسبق بن علي، ما زلت أعيش تحت خط الفقر والخصاصة والتهميش.. لقد نفد صبري فجئت إلى هذا المكان، لعلي أظفر بلقاء إحدى الشخصيات السياسية التي بإمكانها مساعدتي". هذه المرارة ذاتها في التعبير عن حجم معاناة فئات من التونسيين، عكسها تصريح لأحد أعضاء إاتحاد أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل والذي لاحظ أنه "وبعد خمس سنوات من الثورة، بقي المعطلون في آخر اهتمامات الحكومة والأحزاب التي ظلت تتنازع على السلطة". كما أشار إلى "تزايد نسب الفقر والبطالة وتدهور الظروف الإجتماعية"، قائلا: "إن الناس يريدون أن يروا أثرا ملموسا للثورة على حياتهم اليومية وقضايا البطالة والتفاوت الإقتصادي والإجتماعي التي لم تتم معالجتها بعد". وليس بعيدا عن هذا المواطن، حيث إحدى الخيام المنتصبة بمناسبة إحياء هذه الذكرى الخامسة، رفعت عائلات شهداء وجرحى الثورة وعلامات الحزن والأسى بادية على ملامح وجوههم، لافتات وشعارات تطالب الحكومة ب "الإسراع في محاسبة قتلة أبنائهم الذين استشهدوا في سبيل الوطن". وفي مشهد مغاير تماما وبالتوازي مع أصوات المحتجين والمتذمرين والذين تلاشت أحلامهم وخابت ظنونهم، بعد سنوات خمس من ثورة حملت في أنفاسها الأولى "بصيص أمل" بالنسبة إليهم، كانت مظاهر الإحتفال بادية على مستويات مختلفة. فقد تجمع في أماكن متفرقة من هذا الشارع، أنصار عدد من الأحزاب السياسية على غرار حركة النهضة والحزب التقدمي والحزب الإشتراكي والتيار الديمقراطي، إلى جانب ممثلين عن بعض المنظمات الوطنية. وأكد العديد من السياسيين والأدباء والمفكرين التونسيين والأجانب، أن "تونس قامت بخطوات هامة، رغم وجود الكثير من النقائص والثغرات، على غرار "عدم الإستجابة للمطالب الشعبية للمهمشين والفقراء". وأقامت حركة النهضة بجانب النصب التذكاري للعلامة إبن خلدون، منصة لترديد الأناشيد وإلقاء الخطب، وسط شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد بمناسبة هذه الإحتفالات، تعزيزات أمنية مكثفة. العجمي الوريمي القيادي في حركة النهضة، اعتبر في تصريح ل(وات)، أن "المطلبية حق مشروع للمواطن الذي سئم الإنتظار وأمهل الحكومات ما يكفي من الوقت"، معقبا بالقول: إن هذا الوضع "لا يعني أن الحكومات المتعاقبة لم تقم بدورها في تحسين ظروف التونسيين، فقد قامت بالعديد من الإنجازات". ولاحظ في هذا الصدد أنه "على المواطن الآن أن يضطلع بدوره في مساعدة الدولة على التقدم في تحقيق المسار الإنتقالي". كما دعا إلى "ضرورة الدفع نحو إرساء هدنة اجتماعية والحد من الإضرابات، خصوصا في الحوض ألمنجمي، حيث تكون الإضرابات موجعة جدا لخزينة الدولة"، حسب تعبير الوريمي. ومن ناحيته أكد الناشط الحقوقي وعضو هيئة الحقيقة والكرامة زهير مخلوف، "نجاح تونس في التزامها بالمواثيق الدولية التي تدافع عن حرية وحقوق المواطن التونسي، بشكل لا يخشى فيه العودة إلى الدكتاتورية التي طبعت البلاد منذ ما يزيد عن أكثر من عشرين سنة". وتحدث مخلوف عن "تجذر الوعي لدى المجتمع المدني الذي أصبح بدوره جزءا من الخارطة السياسية في البلاد" التي قال إنها اعتمدت منهج "التوافق والوئام ولم تتبع نظرية الغلبة والمغالبة وهي النظرية المدمرة التي انتهجتها بعض دول الربيع العربي". أما المفكر السوداني عبد الوهاب الأفندي، رئيس قسم العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فقد أشار إلى "نجاح التجربة التونسية في ترسيخ مبادئ الديمقراطية" التي قال إنها ارتكزت على "إقصاء خطاب الكراهية وإرساء مبادئ الحوار واتباع خيار الوفاق الوطني الذي أنقذ التونسيين من الانزلاقات التي شهدتها بعض الثورات العربية الأخرى في العراق وليبيا وسوريا ومصر"، من وجهة نظره. وقال هذا المفكر السوداني إن "الغرب ينظر اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الانتقال الديمقراطي في تونس، على انه نموذجيحتذي به في هذه المنطقة المضطربة من العالم"، معتبرا أن "التجربة التونسية أثبتت أن التحركات السياسية، بمختلف توجهاتها العلمانية والإسلامية، يمكن أن تتحاور وتتفاوض، من أجل مصلحة البلاد". ومن جهته صرح المفكر والأديب الفلسطيني، منير شفيق، بأن "حصول الرباعي الراعي للحوار على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 ونجاح الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس وتأسيس الهياكل الدستورية وإنجاز دستور يضمن الحقوق والحريات للمواطن التونسي، كلها خير دليل على نجاح هذه التجربة التونسية وصمودها مقارنة بنظيراتها". (وات)