يشهد الاقتصاد التونسي خلال الثلاث السنوات الاخيرة تدهورا، وقد تراجع نسق النمو من مستوى 2.5 بالمائة مقدر أوليا خلال السداسية الأولى من السنة الحالية إلى معدل 1.2 بالمائة ، إلا أنه من المتوقع أن تنحصر في حدود 1.5 بالمائة خلال السنة الجارية، إضافة إلى تراجع نسق المبادلات التجارية . كما بلغ سعر صرف الدينار بتاريخ 31 أكتوبر الماضي مقارنة بالدولار 2,25374 بينما كان سعر صرف الدينار خلال نفس الفترة من سنة 2015 لا يتجاوز 1,99254 دولار. في وقت بلغ سعر صرف الدينار بتاريخ 31 أكتوبر الماضي مقارنة بالأورو 2,46820 أي بزيادة تقدّر ب12,40 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2015. وفي ظل هذه المعطيات سجّلت الميزانية عجزا في حدود 5219 م دينار مع ارتفاع في حجم الدين العمومي ليبلغ 63 بالمائة من الناتج المحلي في موفى 2016، وبلغت نسبة التضخم إلى غاية سبتمبر الماضي 4.2 بالمائة، بينما تجاوزت نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني من السنة الحالية 15 بالمائة. ووفق المعهد الوطني للإحصاء، فقد سجل التبادل التجاري مع الخارج بالأسعار القارة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2016 انخفاضا على مستوى الصادرات بنسبة 0,8% وارتفاعا على مستوى الواردات بنسبة 4,2%. وعلى مستوى الأسعار شهدت المواد المصدرة ارتفاعا في الأسعار بنسبة 3,9%. أما بالنسبة للمواد المورّدة، فقد انخفضت بنسبة 1,8%. وبلغ حجم المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالأسعار الجارية خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2016 ما قيمته 20957,0 مليون دينارا عند التصدير و 30283,7 مليون دينارا عند التوريد، مسجلة بذلك ارتفاعا بنسبة 3,1% على مستوى الصادرات وبنسبة 2,3% على مستوى الواردات، وذلك بالمقارنة مع ذات الفترة من السنة الفارطة. يأتي هذا التدهور في الوقت الذي تستعدّ فيه تونس لعقد المؤتمر الدولي للاستثمار يومي 29 و30 نوفمبر الجاري، والذي أعرب عدد من القيادات الدولية في مجال السياسة والاقتصاد والأعمال عن رغبتهم في المشاركة فيه في إطار دعم تونس ما بعد "ثورة 14 جانفي". كما تشهد الساحة السياسية تجاذبات عدة بسبب ما طُرح من إصلاحات تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2017 خاصة في ما يتعلق بالجباية، بينما اعتبر رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أنّ مشروع قانون المالية "بداية الحل للوضع الاقتصادي الراهن بالبلاد"، وفق ما جاء في تصريحه لإذاعة "موزاييك اف ام" اليوم الاربعاء. كلّ هذه النقاط طرحتها "الصباح نيوز" مع الخبير الاقتصادي فتحي النوري الذي انطلق بالتساؤل حول مدى قدرة الاقتصاد التونسي بعد 6 سنوات من الثورة على استقطاب الكمّ الهائل من المشاريع المزمع انجازها وتجسيدها على أرض الواقع اذا نجح مؤتمر الاستثمار لتصبح المشاريع نافذة ومثمرة. الاقتصاد يمرّ بظروف صعبة وفي هذا السياق، قال النوري ان الاقتصاد التونسي يمرّ بظروف صعبة أهمها: فقدان التوازنات الكبرى سواء من ناحية المالية العمومية أو من جانب الميزان الجاري، وكذلك بروز عنصر جديد بعد الثورة يتمثل في تزايد تضخم حجم وقوة الاتحاد العام التونسي للشغل، بالاضافة إلى التجاذبات المباشرة وغير المباشرة بين اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف حيث أصبحت العلاقة بينهما علاقة متشنجة و"صراعية"، زد على ذلك ان الإدارة التونسية تشكو صعوبات بعد الثورة لفقدانها سيطرتها على الواقع ما أدى إلى عدم قدرتها على إنجاز المشاريع. كما أشار النوري إلى أنّ اليد العاملة التونسية تفتقد للمهارة المطلوبة في بعض القطاعات ذات القيمة المضافة، و أن القطاع المالي في تونس يجب أن تكون له القدرة على تمويل المشاريع التي تتطلب شراكة اقتصادية. وحول مدى قدرة الاقتصاد التونسي على استيعاب الكمّ الهائل من المشاريع التي سيعلن عنها بعد المؤتمر، قال النوري: "ان توفّر ذلك فهنيئا لتونس"، مضيفا أنه "إذا نجح المؤتمر فسنأتي على مشاكل التشغيل والتصدير وسعر صرف الدينار التونسي." سعر صرف الدينار وبخصوص سعر صرف الدينار التونسي خاصة مقابل الأورو والدولار ومدى تأثير ذلك على قرار المستثمر الأجنبي، اعتبر محدثنا ان هبوط سعر صرف الدينار عملية غير دائمة ولا يمكن أن يكون عائقا. مؤتمر الاستثمار وأضاف: "لو كتب لهذا المؤتمر النجاح وتجسدت المشاريع المزمع انجازها فسيكون حجم الاستثمار الخارجي كبيرا وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع مخزوننا من العملة الصعبة وسيؤثر إيجابيا على سعر صرف الدينار". ميزانية الدولة ميزانية الشعب وفي سياق آخر، وفي ما يهمّ مشروع قانون المالية، قال فتحي النوري انه سيتم المصادقة على هذا المشروع ولن يكون حاجزا بتاتا لإفشال نتائج المؤتمر. وقال محدثنا ان ميزانية الدولة هي ميزانية الشعب التونسي وليس الأحزاب ولذلك لا يجب على التونسيين أن ينساقوا وراء شعارات الاحزاب والإيديولوجيات. الوضع الاقتصادي صعب وفي ما يهم الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، أكّد النوري ان الوضع الاقتصادي صعب ولكن لا يمكن وصفه بالكارثي، معتبرا أن الخروج من الأزمة يتطلب حلولا تونسية - تونسية وليس تونسية أجنبية. وأوضح أن هذه الحلول تتمثل أساسا في العودة إلى العمل عبر نشر ثقافة العمل والابتعاد عن ثقافة الكسل، وكذلك أخذ المبادرة الخاصة للاستثمار إضافة إلى وضع سياسة قطاعية، مع ضرورة استقرار المناخ السياسي.