قد لا تكون نهاية الحرب ضد «داعش» في سورياوالعراق مع قرب الحسم في الموصل وبدايته في مدينة الرقة، الهاجس الأكبر بالنسبة للمتابعين لتطور الأزمات في الشرق الأوسط بقدر نتائج هذه المعركة وتأثيرها على العلاقات بين مختلف الفاعلين فيها. فالتقاطعات والترادفات كثيرة في المشهد العام في الشرق الأوسط خاصة من حيث التطورات الميدانية التي تؤثر مباشرة على التغييرات الجيوسياسية وكذلك الجيوستراتيجية في المنطقة، فضلا عن تغير مفاتيح ورموز «لعبة الأمم»، مما يطرح جملة من التوازنات الجديدة التي قد تحكم المنطقة في المرحلة القادمة. ولعل هذه التغيرات الوارد حصولها على وقع طبول المعارك ضد التنظيم المتشدد في هذه المنطقة هو الذي يمثل لبنة لتحليل الوضع الراهن والوقوف استشرافيا على ما يمكن أن يحدث بعد أن يهدأ هدير المدافع على أسوار الرقة القديمة وعلى اطلال جامع النوري في الموصل وطرد فلول «داعش» منهما إلى قلب البادية السورية وصحراء الأنبار ممتدة الأطراف في العراق. فكثيرون ينظرون إلى أن إعلان تحرير المدينتين من هذا التنظيم هو في الأخير بداية لمرحلة صراع آخر في المنطقة وبداية تنفيذ مخطط لحسم الصراعات الموجودة فيها وأقدمها وهو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهي نظرة تشاؤمية، وهناك من يرى أن نهاية التنظيم هو بداية لمرحلة ل»الحسم السياسي» المبني على جملة من التفاهمات تهدف كذلك لإيجاد منظومة سياسية مستقرة تستطيع على اثرها إسرائيل التعايش مع الطرح الجديد الموجود في الشرق الأوسط والذي يؤثثه صراع إقليمي معلن بين إيران (الشيعية وحلفاؤها) والحلف السني (السعودية وحلفاؤها)، وهي نظرة طوباوية بما أنها تنأى عن أن الحسم سيكون ميدانيا في سورياوالعراق على حساب الحسم السياسي السلمي والذي يتطلب جملة من التنازلات من جميع القوى الفاعلة إقليميا ودوليا في هذه الأزمات. وعلى وقع المضادات والتقاطعات بين مختلف هذه القوى، يرى المحلل السياسي والديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، أن مستقبل الصراع في الشرق الأوسط بعد تقهقر تنظيم «داعش» في سورياوالعراق، هو مرحلة سياسية بامتياز. ويشير العبيدي، في تحليله ل»الصباح نيوز» أن المعطيات الجيوسياسية تغيرت خاصة وأن هناك دول بينت أنها قادرة على التصدي للتنظيم المتشدد على غرار إيرانوسوريا وروسيا. وأردف أن هذا التطور فرض تغييرا في التوازنات ازاء السعودية والمنظومة الخليجية إزاء الصراع في سورياوالعراق، وكان أحد أسباب التي أثرت على العلاقة فيما بين هذه الدول، ومنها الأزمة الخليجية الحالية. ويرى العبيدي أن المرحلة القادمة تستلزم تفاهمات سياسية بين مختلف الجهات الفاعلة في هذه الأزمات، مشيرا أن النتائج الحرب ضد «داعش» يلزمها التفاهم السياسي لكي يتم تثبيتها، وأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا تم التعاطي معها بوجهة نظر سياسية. ويرى العبيدي أن مستقبل سوريا هو الدخول ضمن المنظومة الجديدة التي ستتأسس بعد المعركة ضد «داعش». وحول إمكانية حدوث صراع بين الأكراد وتركيا، يقول العبيدي أن الأكراد موجودين في 4 دول وهذه الدول لن تسمح بقيام صراع في شمال سوريا قد يغذي بقية الصراعات خاصة من جانب إيران وكذلك العراق. ويشير إلى أنه من غير الوارد كذلك إقامة مناطق حكم ذاتي للأكراد شمال سوريا، فإيران لن تقبله خاصة مع وجود اقلية كردية في غربها، وكذلك العراق ممثلا في السلطة المركزية في بغداد. وبالإضافة لهذه الأسباب، يؤكد العبدي، أن إسرائيل لا يمكنها العيش ومواصلة الوجود مع عدم وجود توازن في المنظومة السياسية في الشرق الأوسط، وأن هذه المنظومة ممكنة مع وجود تقارب من بعض الدول العربية الفاعلة في الشرق الأوسط معها. ورغم أن نظرة العبيدي ل»مرحلة ما بعد ‘داعش'» تحمل نفسا طوباويا، على أساسه قد لا تطرأ تطورات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، فإن وزير الخارجية السابق أحمد الونيس يرى، بمقاربة تشاؤمية، أن «الخارطة العربية قابلة على مرحلة من التغييرات على حساب الخريطة العربية بأكملها». ويضيف الونيس، أن القرارات بعد معركة دحر «داعش» ليست جديدة بل اتخذت من فترة وهي متصلة بمخططات تشمل كذلك حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وكذلك الملف الإيراني وتسوية الملف الكردي، وذلك على حساب خارطة العالم العربي. ويقول الونيس «أخشى أن تكون هذه الصفقة صعبة جدا تتضرر فيها القضية الفلسطينية»، ويضيف أنه سيتم توفير حل شامل تحت غطاء ضرب «العدو الفارسي» كما يحلو لبعض الأطراف العربية وغيرها تسميته. وأردف أن ضرب إيران ستستعمله بعض الأطراف لإسكات جملة من المعارضين الحاليين لهذه الصفة ولهذا المخطط، وبذلك يمكن تمرير الصفقة وتطبيقها على أرض الواقع. وأكد الونيس أن أطراف هذه الصفقة هو «الإدارة الأمريكية الحالية والأكراد ومجموعة من الدول العربية وكذلك الهند وإسرائيل». وأضاف قائلا «أظن أن الحسابات مضبوطة والتحركات حثيثة لاستكمالها»، مشيرا أن «العرب هم من سيدفعون ثمنها باهظا من الأراضي العربية». نظرتين إذن يحكمان مستقبل الشرق الأوسط بأزماتها التي تعددت مع وصول معركة «داعش» لبداية نهايتها، وقرب مرحلة ما بعد معركة «داعش» من بدايتها.