أثارت تصريحات وزير الخارجية المصري، سامح شكري، التي أكد فيها عدم وجود أي نية لدى النظام الحاكم في مصر لإجراء مصالحة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، واتهامه الأخيرة ب«تلوث يدها بدماء المصريين»، ردود فعل واسعة داخل وخارج مصر. واعتبر طلعت فهمي، المتحدث باسم الجماعة، أن «حديث شكري، عن تلوث يد جماعة الإخوان بدماء المصريين، ما هي إلا افتراءات تصدر بصورة متكررة من سلطة انقلابية». وأضاف، في تصريحات صحافية:»رمتني بدائها وانسلت.. هذا هو أصدق ما يقال ردا على مزاعم وزير خارجية الانقلاب عن استباحة جماعة الإخوان المسلمين لدماء المصريين». وتابع أن «هذه الافتراءات تصدر بصورة متكررة من سلطة انقلابية ولغت في دماء المصريين وأعملت فيهم القتل وأزهقت الأرواح في مجازر شهد بها العالم وأثبتتها منظمات حقوقية، وهي لن تنطلي على الشعب المصري الذي لم يعد يطيق وجود هذه السلطة الانقلابية». وزاد أن «ما يقوله هذا الوزير مؤشر على ارتباك العسكر بعد إدراكهم بأنهم باتوا في مواجهة شاملة مع الشعب الذي أيقن أنه لا مجال لأي مصالحة معهم بل هو بحاجة إلى تحرك شامل لاستعادة حريته وكافة حقوقه المهدرة». لكن محمود حسين، الأمين العام للإخوان، أعلن أمس الأول في إفطار نظمته الجماعة في إسطنبول، «استعداد الإخوان للمصالحة بشرط إطلاق سراح جميع المعتقلين»، دون ذكر عودة مرسي، مؤكداً أن «أي مساعٍ للمصالحة، لا يتزامن معها إطلاق جميع المعتقلين فهي غير جادة ولن نلتفت إليها». وأضاف أن «الإخوان المسلمين مع أي جهود مخلصة تعيد للشعب المصري حقوقه، وتعيد الجيش إلى ثكناته لحماية بلاده». وشدد على أن «أي مساعٍ (للمصالحة) من أي طرف كان، لا يتزامن معها إطلاق جميع المعتقلين، فهي غير جادة، ولن نلتفت إليها». ومنذ الإطاحة بمرسي من الحكم، في 3 يوليو/تموز 2013، من منصبه كرئيس للبلاد، عادة ما تنفي السلطات المصرية تدخل الجيش في الحياة السياسية، وتؤكد أنه ليس لديها «معتقلون» بسجونها، وإنما محتجزون على ذمة قضايا جنائية. وحذر حسين من «مأساة حقيقية داخل المعتقلات، علاوة على وجود مئات المطاردين والمخفيين قسراً والمحكومين بالإعدام». وقال: «في الوقت الذي تتعرض فيه هذه الطليعة الصامدة إلى الوحشية، يتعرض الشعب إلى القتل والإجرام تحت اسم محاربة الإرهاب». أما همام يوسف، مسؤول الجماعة في تركيا، فأوضح أن «الجماعة ما زالت تقدم النماذج الحية في العالم، على الرغم من كل المكائد (لم يوضحها) الإقليمية والدولية». وأضاف: «سنبقى جزءا من شعبنا المصري العظيم، وكل الشعوب الحرة في العالم». وتابع: «نقول لأهلنا في مصر، لا تصدقوا الكذابين، الذين يقولون إن أعدائكم الأصليين هم الإخوان وحماس (حركة إسلامية في فلسطين)، لا تصدقوهم، لأننا دعاة حق وحرية». وأشار أن وحدة الجماعة هي جزء من وحدة الأمة، مضيفًا: «لقد حاول الأعداء شق الصف، لكنهم خابوا وخسروا». وشدد على أن «الجماعة لا تعادي أبناءها، بل توحد الجميع تحت مبادئها، ولن يهدأ المصريون قبل أن يحققوا مطالب ثورتهم». الهلباوي ينتقد كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والقيادي السابق في جماعة «الإخوان المسلمين»، عبر عن عدم ارتياحه من التصريحات التي أطلقها شكري، حول عدم نية الدولة المصرية إجراء أي نوع من التصالح، مع من تلوثت أيديهم بالدماء، وتحديدا الإخوان. وانتقد في تصريح لقناة «مكملين»، رفض الوزير التعامل مع الإخوان، موضحا أن «الحوار مع الجماعة الإسلامية، أسفر عن مكاسب عدة للدولة، منها استقطاب ناجح إبراهيم وكرم زهدي وغيرهم». يذكر أن الهلباوي سبق واقترح أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي، تشكيل «مجلس حكماء من شخصيات مصرية وعربية ودولية، مشهود لها بالنزاهة، لقيادة وساطة تاريخية في مصر، تنهي حالة الصراع القائمة بين نظام الحكم والمعارضة، وفي مقدمتهم الإخوان، والتأسيس لمصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحدا إلا أهل العنف والإرهاب». الجدل حول المصالحة مع الإخوان لم يقتصر على قيادات جماعة الإخوان أو الداعين للمصالحة من داخل نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بل امتد لقيادات الحركة المدنية الديمقراطية الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض للمصالحة مع الجماعة. يحيى حسين، المتحدث باسم الحركة المدينة الديمقراطية التي تتشكل من 7 أحزاب معارضة، كتب مقالا بعنوان «كن كبيرا في خصومتك» نشره على صفحته الرسمية على الفيسبوك، دعا خلاله إلى «المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين»، وانتقد أوضاع سجناء الجماعة داخل السجون، معتبرا أن «ما يلاقيه عناصر الجماعة الآن لم يلاقوه أثناء حكم عبد الناصر»، وهو الأمر الذي لاقى ردود أفعال واسعة. وذكر بحوار دار بينه وبين عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب «مصر القوية» والمرشح الرئاسي السابق، قبل اعتقال الأخير بأيام، جاء فيه أن أبو الفتوح قال له إنه «سمع من شيوخ الجماعة الذين اعتُقِلوا في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، أنهم لم يتعرضوا للتعذيب إلا في فترة التحقيق التي لم تزد عن شهرين، بعدها كان المحكوم عليهم يعيشون في السجن حياةً عاديةً ليس فيها من السجن إلا القضبان، يتريضون ويلتقون ببعضهم البعض ويقرأون بل ويؤلفون الكُتب، أما الآن فالكل يعاني من الحبس الانفرادي الصارم في انقطاعٍ كاملٍ عن الدنيا وهو وضعٌ يصيب العاقل بالجنون فما بالنا وهو مستمرٌ على مدى خمس سنوات». وأضاف حسين: «لم يكن أبو الفتوح (67 سنة) يدري أنه سيذوق من نفس الكأس وينضم إلى أولئك المنسيين، يدخل عليه شهر رمضان وهو رهن الحبس الاحتياطى الانفرادي منذ أكثر من ثلاثة شهور، تَعَّرَض خلالها لذبحةٍ صدريةٍ 4 مراتٍ متتالية ولم يُسمح بنقله للمستشفى». رسالة اعتراضية أما مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد الأحزاب المؤسسة للحركة المدنية الديمقراطية، فقد اعترض في رسالة وجهها للمتحدث باسم الحركة على دعوة المصالحة مع الإخوان. وجاء نص الرسالة التي أرسلها إلى يحيى حسين : «الصديق العزيز مهندس يحيى.. خالص التحية والتقدير واسمح لي أن أنقل لكم رسالة شخصية من رفاقي فى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الرفاق يعبرون عن تقديرهم لشخصك الكريم ولدورك في القضايا الوطنية وفي الدفاع عن الحريات ومواجهة الفساد ولشجاعتك في التعبير عن مواقف الحركة المدنية الديمقراطية فيما تدلي به من تصريحات كمتحدث باسمها كما يقدرون حرصكم على تركيز الجهود على مواجهة السياسات الراهنة وعدم استغراق التيارات السياسية والفكرية في معارك متبادلة بينهم». وتابع:»يحفزهم هذا التقدير إلى وضع بعض الملاحظات محل اعتباركم خصوصاً وأنه لا يمكن الفصل في قضايا جوهرية بين ما تبدونه من آراء شخصية أو كمتحدث للحركة يعكس ميلها العام ومبادىء التأسيس والميثاق وفيها مساحة واسعة للاجتهاد الشخصي مع الالتزام بالجوهريات ويرون فى عبارات وردت فى مقالكم ما يتناقض مع هذه الجوهريات تحديدا فيما يخص الموقف من الإخوان». يذكر أن دعوات عديدة للمصالحة بين نظام السيسي وجماعة الإخوان المسلمين انطلقت خلال الشهور الماضية، بعضها حمل رايتها إعلاميون محسوبون على النظام مثل الإعلامي عمرو أديب الذي دعا للمصالحة مع شباب الجماعة غير المتورطين في أعمال عنف. و«الإخوان» تأسست عام 1928، وبينما تعد حاليًا في مصر والسعودية والإمارات «جماعة إرهابية»، فإن لها حضورًا في 52 دولة حول العالم، عبر انتشار فكري وخيري، أو هياكل تنظيمية لمؤسسات أو أحزاب