لم تتوقف ردود الفعل على الاستقالة الجماعية من حزب "حراك تونس الإرادة"، حيث اكتفى مؤسس الحزب ورئيسه منصف المرزوقي ب"شكر" المنسحبين على قدموه في السابق للحزب، فيما لجأ قياديون في الحزب إلى اتهامهم ب"الخيانة"، وربط مراقبون استقالتهم بالضغوط التي يواجهها المرزوقي من بعض الأنظمة الإقليمية. وكان ثمانون عضوًا، بينهم طارق الكحلاوي وعدنان منصر، أعلنوا استقالتهم من حزب «الحراك» الذي أسسه الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي. وبرر المستقيلون القرار بجملة من النقاط، أبرزها أن الحزب «أصبح – واقعيًا – منضويًا تحت جناح أحد أطراف الحكم (في إشارة إلى حركة النهضة)، بناء على حسابات انتخابية صرفة متعلقة بالرئاسيات»، متهمين رئيس الحزب ب»التركيز على طموحاته الرئاسية وإهمال الحزب، والوقوف أمام أية إصلاحات عميقة داخله ترسخ الالتزام بلوائحه وخطه السياسي كحزب ديمقراطي اجتماعي معارض، وعدم الاستعداد للنقد الذاتي». وفي أول تعليق له على هذ الأمر، دوّن المرزوقي على صفحته الرسمية في موقع «فيسبوك»: «إلى الذين غادرونا: شكرًا على كل ما قدّمتم وبالتوفيق. إلى الذين يواصلون معنا أصعب طريق أو يلتحقون بنا في أخطر تقاطعاته: شكرًا على التمسّك بالحلم الكبير-شعب المواطنين وتونس 2065- وثقتكم في قدرتنا جميعًا على جعله واقع الغد. إلى الذين يؤسفهم أو يقلقهم ما يبدو صخبًا وفوضى داخل الحراك وأيضًا داخل عدد من الأحزاب، داخل النظام نفسه وداخل كثير من العقول والقلوب، لأنهم يرون الغابة وليس الشجرة فقط: شكرًا على الحفاظ على معنوياتكم في مرحلة حسّاسة تتبع كل الثورات، بل هي من مراحل تطورها». وأضاف: «لا بد بعد صدمة الثورة وتفجّر كل المخزون والمكبوت من بعض الوقت وكثير من الصبر قبل أن تكمل التنظيمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مسارها المضطرب وتصل إلى توازنات جديدة تحقّق أعلى درجة ممكنة من الانسجام والاستقراروالفعالية. شكرًا بالخصوص لكل من يرفضون الإحباط في أصعب الظروف يواصلون في صمت هدم الجبل الذي يسدّ الطريق أمام تونس. ولو بالأظافر إن تكسرت القادومة». فيما وصف قياديون ومراقبون الأعضاء المنسحبين من الحزب ب»الخيانة»، وربط بعضهم هذه الاستقالة بالهجوم الذي يتعرض له الرئيس التونسي السابق من قبل بعض الأنظمة العربية كالسعودية والإمارات ومصر. ووجهت درة إسماعيل، الأمينة العامة للحزب، انتقادات للمنسحبين من الحزب، مشيرة إلى أن بيانهم تضمن عددًا من المغالطات من بينها إدراج أسماء لأعضاء دون علمهم، فضلًا عن توجيه اتهامات غير صحيحة لقيادة الحزب، وخاصة فيما يتعلق بمناقشة موضوع الانتخابات الرئاسية، متسائلة عن «توقيت» هذه الاستقالة، كما اتهمت المستقيلين بعدم قبول التداول السلمي على السلطة ورفض وجود امرأة في قيادة الحزب. وكان الوزير والقيادي في حزب المرزوقي السابق (المؤتمر من أجل الجمهورية، سليم بن حميدان) وجه انتقادًا لاذعًا للقياديين المستقيلين: عدنان منصر، وطارق الكحلاوي، مشيرًا إلى أنهما حاولا كسب ود حركة «النهضة» في انتخابات 2011، قل أن يلتحقا بحزب المرزوقي السابق (المؤتمر من أجل الجمهورية) ليسهما لاحقًا في «حل» الحزب، وتأسيس حزب «الحراك» الذي «تبوأا فيه أعلى المناصب القيادية (الأمانة العامة والإشراف على لجنة الانتخابات). غير أنهما فشلا في هيكلة الحزب وفي الانتخابات البلدية فشلًا ذريعًا رغم منحهما أوسع الصلاحيات من مؤسسات الحزب ومن المرزوقي نفسه، بل تحولا إلى عنصري احتقان داخلي فتم استبعادهما بالوسائل الديمقراطية». ودوّن الحقوقي والإعلامي لطفي الحاجي تحت عنوان «حين يحاول أبناء المرزوقي ذبحه بسكاكين أعدائه»: «ما لفت انتباهي في بيان المستقيلين من حزب حراك تونس الإرادة الجملة التالية الواردة في آخر الفقرة الثانية: «هذا التموقع السياسي الداخلي أدى كذلك إلى اصطفافات إقليمية قائمة على الانحياز لأنظمة وزعامات بعينها بشكل آلي وليس على أساس المصالح التونسية العليا والسيادة الوطنية والدفاع عن الديمقراطية وقيم الحرية». لن أناقش الأسباب الداخلية التي أوردوها في بيانهم تفسيرًا لاستقالتهم، فتلك رؤيتهم، وذلك شأنهم الداخلي، وهم أحرار في قرارهم، لكن هذه الجملة بالذات تنم عن رغبة لتقديم المرزوقي في طبق من ذهب لخصومه على المقصلة التي طالما سعوا لذبحه فوقها، فضلاً عن كونها محاولة للتنصل من خط الحزب في وقت متأخر إن لم يكن في الوقت الضائع». وأضاف: «هو وقت ضائع، لأن الخط الخارجي للحزب لم يتغير منذ الثورة وهم طالما استماتوا في الدفاع عنه واستحسنوه باعتبارهم جزءًا منه، بل منهم من اختص في التنظير له، وعليه فإن تبرير الاستقالة بحجج مماثلة هو تقديم مبررات يستسيغها خصوم المرزوقي لأنهم طالما حاربوه بها، وإلى الآن يحملونه تداعيات اختيارها. في حين أنها اختيارات فرضتها المتغيرات الإقليمية التي عرفتها المنطقة والتي فرضت محاور ما بعد الثورات، واصطفافاتها واضحة ولم تكن متعددة فإما أن تتعاون مع الدول التي تساند هذه الثورات أو أن تصطف مع دول الثورة المضادة كما اختارت كثير من الأحزاب. واستعمال مبررات مماثلة يحيل مرة أخرى إلى علاقة الأخلاق بالسياسة، وكثيرًا ما يعتقد الناس أن الأحزاب التي تصنف على أساس أنها ثورية وحريصة على الديمقراطية هي الأكثر حرصًا على ربط السياسة بما ضاع منها من أخلاق. لكن يصدم المرء حين يقرأ تلك التبريرات التي يستوي فيها من ناضل من أجل التغيير والثورة مع من اختار نهج الثورة المضادة». وكتب الباحث سامي براهم: «عبثًا يحاول المستقيلون من الحراك إيقاف التأويلات المغرضة لما قدّموه من تفسيرات لاستقالتهم، لأنّ بين التّأويلات المغرضة وما قدّموه من تفسيرات خيط رقيق ومتشابهات، فهم مع رئيس حزبهم في مواقفه السياسيّة والتّحالف الإقليمي الذي ينحاز إليه ولكنّهم ضدّه في اصطفافه الآلي وراء هذا التّحالف بشكل يضرّ بالمصلحة الوطنيّة ولا ينتبه لأخطاء هذا التّحالف. مثلما هم معه كذلك في رفض الانقلاب على أردوغان لكنّهم ضدّه في المساندة الكاملة لأردوغان الذي يدعم الجماعات التّكفيريّة والإرهابيّة في العراق وسوريا بما يشكّل خطرًا على الأمن التّونسي!». وأضاف: «هل يمكن أن نلوم «المغرضين» إذًا عندما يؤوّلون في اتّجاه لا يتنافى بشكل نوعيّ مع مضمون الخطاب الأصلي للمستقيلين على الأقلّ الذي برز منه في الإعلام السمعي، إلا إذا كان مضمون الاستقالة نفسه والدّوافع إليها مغرضة، أمّا المترصّدون والمتربّصون والصّائدون في المياه العكرة فلا يحتاجون لخطاب الشُّبَه والمتشابهات ليبنوا تحليلاتهم الجاهزة، هي هديّة قدّمت إليهم، «أمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبّعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله». لا نشكّك في نوايا المستقيلين نعرف بعضهم وتواصلنا معهم ونعلم أنّ جزءًا من تشخيصهم ينطبق على الواقع السياسي لعديد الأحزاب، لكن الإخراج كان مرتجلًا وغير مدروس ويعطي انطباعًا سيّئًا عن طبيعة هذه الاستقالة التي لم تنجح في تقديم المبرّرات المقنعة أو على الأقلّ حسن التّسويق لها كحالة وعي نقدي في الحياة الحزبيّة».