- محمد الكيلاني: الهزيمة كانت متوقعة واليسار لم يستفد من أخطاء انتخابات 2014 الجيلاني الهمامي: اليسار لم يطور أساليبه.. وعليه استعمال لغة بسيطة وشعارات دقيقة استفهامات عديدة تطرح بعد الخيبة التي مني بها اليسار التونسي في المحطة الانتخابية الأولى المتمثلة في الانتخابات الرئاسية والتي تذيل فيها ممثلو أحزاب اليسار الثلاثة، حمة الهمامي ومنجي الرحوي وعبيد البريكي، سلم الترتيب بصفر فاصل من نسب المنتخبين لكل واحد منهم، رغم أن 24 من بين 26 مترشحا كان مآلهم الفشل. وكان نصيبهم جميعا 56397 صوتا وفق ما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أي بنسبة جملية 1.67 % وهي نتيجة كفيلة لإطلاق صيحة فزع في الأوساط السياسية وتحديدا في العائلة اليسارية العريقة في المشهد السياسي التونسي بشكل عام. وذلك في مقارنة بما حققه هذا الشق السياسي في انتخابات 2014 حيث كان حمة الهمامي مرشح الجبهة الشعبية في الانتخابات الرئاسية آنذاك الثالث في ترتيب المترشحين وتحصل على 7.82 % المقدرة ب255529 صوتا. نحو إعادة التموقع لعل أبرز هذه الأسئلة التي تختزل في أبعادها وتبحث في إجاباتها عن تشخيص للوضع وللمقاربة السياسية اليسارية في المشهد السياسي اليوم ومدى الاستجابة لدعوات المراجعة والتغيير من أجل المحافظة على مكانة في خارطة الأحزاب السياسية والدفع نحو إعادة تموقعها وتثبيت وجودها كقوة سياسية واجتماعية حاملة لمشاريع بديلة وعملية، تقطع مع الشكل النمطي الذي دأب عليه اليسار التونسي كتيار نخبوي احتجاجي مشاكس ومعارض للسلطة. وهل هناك معضلة في المستوى الاتصالي؟ ولئن حمّل محمد الكيلاني أمين عام الحزب الاشتراكي مسؤولية فشل اليسار في الاستحقاق الرئاسي لهذا العام كاملة لأحزاب اليسار، فإنه يرجع الأسباب إلى أن هذا التيار لم يشكل قوة جاذبة ومؤثرة على المواطنين كضمانة لدخول هذا السباق الانتخابي فضلا عن تأثير الخصومة والتشتت بين مرشحي هذا التيار بقطع النظر عن حيثيات الخلافات بينهم. هزيمة متوقعة وفي تشخصيه لما وصفه بالخيبة أكد أمين عام الحزب الاشتراكي أن الهزيمة التي مني بها اليسار في هذه المحطة الانتخابية الأولى كانت متوقعة طالما أن هذا التيار لم يمض في خيار توحيد القوى والاقتراب من واقع التونسيين ليس في مستوى الخطاب فحسب وإنما بتشكيل قوة وحماية للشعب وفق مشاريع وبرامج وطنية واجتماعية قابلة للتنفيذ دون الاكتفاء بالخطاب. واعتبر الكيلاني أن هذا الشق لم يستفد من أخطاء انتخابات 2014 رغم ما حظيت به الجبهة الشعبية آنذاك من التفاف وتعاطف شعبي معها فضلا عن مساندة قوى اليسار للمرشح للرئاسية حمة الهمامي خاصة أنها تزامنت مع مرحلة مخاض سياسي بعد حادثتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. لا تأثير للانقسامات فيما اعتبر القيادي في حزب العمال الجيلاني الهمامي أن الفشل في هذه الانتخابات لم يكن لليسار فحسب وإنما شمل أحزاب وتيارات ليبرالية ومن اليمين وغيرها. وأرجع ذلك إلى تداعيات ما تعيشه بلادنا في هذه المرحلة من أزمة عميقة وشاملة ألقت بثقلها على الوعي الجمعي خاصة في ظل تفشي بعض الظواهر السلبية وتوسع دائرة الفقر والخصاصة والجوع. وأضاف في نفس السياق قائلا: "في ظل هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي وجدت بعض القوى والجهات أساليب ومدخلا لنيل ثقة شريحة واسعة من الشعب وذلك عبر توزيع المساعدات أو توظيف خطاب شعبوي "يلعب" على عواطف ومشاعر الناس. ولكن هذا لا يعني أن اليسار ليس له أخطاء". وأكد القيادي في حزب العمال أن جملة المبادئ والأفكار والتصورات والمشاريع التي قدمها اليسار في حملته الانتخابية للرئاسية والتي يراهن عليها في السباق للتشريعية تبقى قائمة ومتماشية مع متطلبات المرحلة. ونفى الهمامي أن يكون للانقسامات تأثير مباشر على المسار الانتخابي لأنه يعتبر الوضع الحالي للأحزاب اليسارية لا يختلف عن حالة التشتت التي تعرفها اليوم أحزاب الوسط واليمين. المراجعة المطلوبة تقاطع أمين عام الحزب الاشتراكي والقيادي في حزب العمّال حول ضرورة الخضوع لمراجعة جذرية من أجل إنقاذ الوضع والمحافظة على مكانة في المشهد السياسي والخارطة الحزبية تكون في مستوى عراقة والتاريخ النضالي لهذا التيار السياسي. خاصة أن جل الانتقادات التي وجهت إلى هذا التيار تجمع على ضرورة مراجعة الأدوات والآليات والأفكار بما يساهم في توسيع دائرة مريديه وأنصاره بقطع النظر عن اختلاف الأحزاب والائتلافات. ولئن اعترف الجيلاني الهمامي في هذا السياق بأن اليسار لم يطور أساليبه ويعتبره مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى بمراجعة منهجية وذلك باستعمال لغة بسيطة وشعارات دقيقة. ونزّل هذه المراجعة في سياق المسار السياسي الذي تعرفه تونس ويمر به اليسار في العالم. لأنه يعتبر أن اليسار في أمس الحاجة لوحدة واعية قوامها برامج ومقاربات ثورية حقيقية تهدف لمعالجة القضايا الكبرى تتجاوز في أبعادها وأهدافها وشكلها ومضمونها الشق الحزبي والسياسي لتشمل البلاد ككل. من جانبه يعتبر محمد الكيلاني أن الضرورة تستدعي اليوم توحيد الصفوف ولم شمل العائلة اليسارية المشتتة ووضع مقاربات سياسية هادفة بما يمكن من مواجهة الصعوبات وحلحلة الوضع الصعب الذي يمر به هذا التيار السياسي اليوم. وهو يرى أن هذا هو الخيار الوحيد إذا ما رغب الجميع في تطويق الأزمة الخروج منها سريعا. تخوفات التشريعية ولم يخف أمين عام الحزب الاشتراكي تخوفه من تواصل الأزمة في الانتخابات التشريعية التي لم يعد يفصل عن موعدها سوى أيام قليلة بقوله: "سوف لن يختلف الوضع عن الرئاسية لاسيما في ظل توار نفس الأفكار والسلوك المبني على التشتت لأن اللعبة السياسية اليوم مكشوفة والشعب لا يقنعه أو يبحث عن الكلام المنمق والخطاب الفضفاض وإنما يبحث عن العمل السياسي والقانوني والاقتصادي العملي القريب من الواقع والهادف". ويرى الكيلاني أن الشق الذي يمكنه أن ينجو من عصا التأديب في الانتخابات التشريعية من هم خارجين عن السياق ومن لهم تأثير على مستويين محلي وجهوي. ما بعد التشريعية أجمع الثنائي المذكور أعلاه على ضرورة لم شمل اليسار مباشرة بعد الانتخابات التشريعية على اعتبار أن الوضع بيّن ولا يستدعي قراءات وتشخيص آخر لأن مواطن الوهن والأخطاء واضحة للجميع. ليكون هذا التجمّع الجديد بمثابة انطلاقة جديدة لليسار في تونس ما بعد انتخابات 2019. ويرى الجيلاني الهمامي في هذا السياق أن ائتلاف الجبهة وحزب العمال سينكبان على التفكير في تطوير أساليب العمل والمشاريع والبحث عن الأدوات الحقيقية لمواصلة المسار السياسي كقوة سياسية. ولم يخف خيار مواصلة النضال مع المواطنين فضلا عن هندسة مشاريع تكون حاملة لحلول ملموسة للوضع في كامل تراب الجمهورية. على خلاف ذلك يرى محمد الكيلاني أن اليسار مطالب باستعجال البحث عن الحلول للتخفيف من تداعيات التراجع المفزع في انتخابات هذا العام وذلك بضرورة التقاء جميع الأطياف اليسارية وتجميع الفرقاء السياسيين ونزع الجميع "للعمائم" والتوجه لوضع المقاربات الكفيلة بتطويق الأزمة وإنقاذ الوضع وذلك عبر تكوين قوة اجتماعية يسارية قادرة على التصدي للمخاطر لأنه يرى إذا فات هذا الأوان فلا يمكن لليسار أن يتعافى إلا بعد وقت طويل وهزات عديدة. لذلك تبقى فرضية تدارك الوضع في الانتخابات التشريعية مسالة ممكنة التحقيق خاصة أن الحملات الانتخابية لا تزال متواصلة. ويجدر التذكير أن اليسار فاز في انتخابات 2011 بثلاثة مقاعد لتضاعف العدد في 2014 بالحصول على 15 مقعدا في البرلمان. نزيهة الغضباني