أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بداية الأسبوع الجاري، تقريره لشهر نوفمبر 2019، الشهري، حيث يؤكد التقرير تصاعد وتيرة الاحتجاجات بنسبة ناهزت %20 مقارنة بحصيلة نفس الشهر من العام الماضي، في المقابل سجلت حالات ومحاولات الانتحار تراجعا مهما في مقارنة بين الشهرين ناهزت 56.5 % نسبتها. وقد بلغ عدد الاحتجاجات الاجتماعية المرصودة طيلة شهر نوفمبر 841 تحركا احتجاجيا، وجاءت القيروان في مقدمة الولايات الأكثر غضبا، تليها ولايتي سيدي بوزيد والقصرين كما تم رصد 20 ُ حالة ومحاولة انتحار سجلت ابرزها في ولايتي جندوبة وتونس، وخلص التقرير إلى ارتفاع وتيرة الاحتجاجات خلال شهر نوفمبر 2019 بزيادة 20 بالمائة مقارنة بشهر نوفمبر 2018. قانون المالية يعقد الازمة الشعبية ولئن كان هذا الارتفاع عاديا في ظل التغيرات السياسية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية والرئاسية، فانه من المتوقع أن تزيد حدة الاحتجاجات مع انتهاء المناقشات حول قانون المالية في مجلس نواب الشعب والذي اعتبرته العديد من مكونات المجتمع المدني والأحزاب لا شعبيا وسيعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن الاستقرار الاجتماعي لا يكون باتفاقات تعقد بين الحكومة والمنظمات المهنية بل هو مرتبط بوضعية الفئات الاجتماعية. القيروانوسيدي بوزيد والقصرين على راس القائمة وبالرجوع إلى خارطة الاحتجاجات تشير إلى أن أغلبها كانت في ولايات الوسط، القيروانوسيدي بوزيد والقصرين وقفصة، وهي أكثر الجهات التي شهدت احتجاجات مرتبطة بمطالب عالقة منذ 2011، حول التشغيل والتنمية الجهوية، والتي لم تتم الاستجابة لها ضمن قانون المالية الجديد، اضافة إلى أن تصاعد وتيرة الاحتجاجات يعود إلى غلق باب التفاوض مع الحركات الاجتماعية والتعامل الحكومي الذي عادة ما يلجأ إلى التصعيد من خلال الإحالة إلى المحاكم والتعاطي الأمني مع الاحتجاجات، تململ واحتقان وتحركات اجتماعية واحتجاجات بدأت باستنساخ نفسها من جديد في مواجهة تعهدات حكومية رسمية مع وقف التنفيذ، ووضع اقتصادي واجتماعي مثل دائما عنصر تحفيز لارتفاع نسق الاحتجاج بما يعني أن بلادنا ستكون في مواجهة نهاية سنة ساخنة مرة أخرى. "الحضائر" القنبلة الموقوتة اليوم وبعد نجاح الانتخابات ومع بوادر الاستقرار السياسي وفي انتظار الانتعاش الاقتصادي المرتقب، يقف الشعب أمام تحديات جمة خاصة الملفات الاجتماعية العالقة ومسألة الزيادة في الأجور وارتفاع الأسعار في ظل أزمة اقتصادية حادّة انعكست على المقدرة الشرائية للمواطن، وستكون المفاوضات الاجتماعية في القطاع العمومي والوظيفة العمومية والقطاع الخاص على رأس الأولويات بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع التونسي، في ظل تراكم الاستحقاقات المادية والاقتصادية الحارقة التي تنتظر المواطن الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الضغوطات، ويبقى ملف عمال الحضائر الأبرز في الملفات العالقة، خاصة وأنها تحولت إلى أزمة حقيقية تنذر بانفجار اجتماعي بالنظر إلى العدد الكبير والذي يتجاوز 80 ألف عاملة وعامل، أزمة الحضائر مازالت عالقة نتيجة التباين في وجهات النظر بخصوص تاريخ الانطلاق في تفعيل اتفاق 28 ديسمبر 2018 الذي ينص على تمكين من يرغب في الخروج التطوعي من مبلغ مالي قيمته 14 الف دينار وتمتيع من يتراوح عمره بين 55 سنة و60 سنة من منحة العائلات المعوزة ودفتر العلاج المجاني ومن يرغب من بين هؤلاء في الخروج التطوعي يتمتع بنسبة 50 % من مجموع الاجور المتبقية (الى حدود ال60 سنة) وتسوية وضعيات باقي العمال على مراحل، اما بالنسبة لباقي العمال فقد وقع الاتفاق على جدولتهم لتسوية وضعياتهم على مراحل حيث اقترح اتحاد الشغل ان تنطلق عملية الجدولة بداية من سنة 2019 في حين اقترحت الحكومة سنة 2021 وهي نقطة الخلاف بين الطرفين والتي زادت في تعميق الازمة. قانون الميزانية الجديد المثير للجدل بدوره سيغذي موجة الاحتجاجات في الفترة القادمة، لأنه جاءت بشكل يثير الغضب والاحتقان، وحين تقرر الحكومة الرفع في الاداءات فان هذا يمس بصورة مباشرة حياة المواطن التونسي في ظل الترفيع في أسعار مواد استهلاكية ترتبط ارتباطا وثيقا بمجالات حيوية على غرار النقل والأدوية وزيادة الأداءات مقابل تضاؤل فرص التشغيل، وهو من شانه أن يزيد في تدهور القدرة الشرائية للمواطن، خاصة أن ما يحصل اليوم هو نتيجة لتراكمات سابقة ولخيارات خاطئة ضربت الفئات المتوسطة والضعيفة، وجاء القانون الجديد ليأزم الأزمة من خلال إجراءات غير مدروسة الذي ولّد اخفاقا اجتماعيا واقتصاديا عمّق الهوة بين الحاكم والمحكوم. غضب شعبي على وقع ذكرى الثورة مرة أخرى سيكون شهر جانفي الذي يتزامن مع ذكرى الثورة حافلا بغضب الطبقات الهشة والفئات المهمشة والمفقرة، غضب ستترجمه التحركات والمسيرات الاحتجاجية المرتقبة في العديد من القطاعات والجهات، والتي بدأت أضواؤه الحمراء بالاشتعال من خلال الشعارات والدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي المنابر الاعلامية وحتى لا يفقد هذا الغضب مشروعيته ويسقط في الفوضى، على السلطة ومن والاها مراجعة حساباتهم قبل فوات الآوان. وجيه الوافي