كتبت عن الأوقاف وحلها في الايام الاولى من الاستقلال لأسباب بقيت محل جدل الى الان واتذكر ان السيد مصطفى الفيلالي اطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية كان عبر لي عن ندمه اذ كان وقتها وزيرا للفلاحة وذكر لي بعض الاسباب ومنها تمييز الذكور من الابناء وحرمان البنات من المحبسين الذي كانوا يخشون من انتقال إرثهم خارج عائلتهم إذا توفوا وبذلك تتشتت الملكية ويدخل فيها الأنساب والإغراب وباتت عادة مستعملة لعقود من الزمن بالإضافة للإهمال والتسيب والسرقات التي تحدث من طرف بعض ضعاف الذمة من الوكلاء، وغيرها من الأسباب التي اخفاها واتصورها اعمق من ذلك. رجعت الى الامر العلي الصادر بحل الأوقاف كلها سواء ما كان منها خاصا او عاما وعهد بتصفيتها الى مصفين تم اختيارهم اعتباطا فضل البعض منهم التمطيط في التصفية لغاية ما. ادركت ذلك لما اصبحت واليا على الكاف واكتشفت بطء العملية وعدم الجدية في غلقها بعد نحو خمسة عشر سنة وقتها وحاولت تدارك الامر الا انه لم يتيسر لي ذلك اذ كان اغلبهم يقيم بالعاصمة ولهم سند أوقوى مني وانتقلت بعدها لولايات اخرى ونسيت الموضوع ولم أَعد أفكر فيه أبدا حتى غيرت مهنتي واصبحت محاميا فاعترضتني بعض الحالات المتنازع فيها بين المستحقين والمستحقات بعد حلها واستحقاق البنات فيها وتتبعتها لدى المحاكم المختصة. اما الذي اثار اهتمامي اكثر فكانت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والثقافة اذ كانت تعمل تحت اسم مؤسسة ولكنها قانونا لم تكن كذلك لأن صاحبها لم يجد له طريقا قانونيا اخر يمكنه من الهدف، فاستعان بي بصفتي محاميا ولكنني لم اجد له طريقا لان الأوامر العلية التي جاءت بحل الأوقاف العامة والخاصة لم تترك منفذا لم تسده وقررت بطلان كل أنواع التحبيس مهما كان هدفها. لذلك اضطر المعني بالاستشارة للعمل بما يخوله القانون وانشا شركة خاصة لإدارة مؤسسته الثقافية التي توسعت وأصبح لها عقارات ورباع ومكتبة تحتوي على اكثر من 20 الف من الكتب النادرة والمنشورات العلمية الاخرى زيادة عن مجموعة من المطبوعات والتسجيلات المحفوظة عندها، وكلها تجمعت من والعلاقات الدولية المشابه، واصبح صاحبها يديرها بنفسه بطريقة لن تستمر او تدوم بعده أبدا بعد عمر طويل بحول الله وقد تتلاشى وتنعدم فائدتها. فتشت له عن حل يضمن به مجهود عمره لاستمراره بعده فلم اجد ما يمكن الا طريقة واحدة تتمثل في الوقف المعمول به عادة في بلاد المشرق والمغرب وحتى فِي الولاياتالمتحدة وأوروبا كلها ولكننا أغلقنا بابه لأسباب لا مجال لي ان اطرحها، ولكنني أردت تسجيل ذلك النقص الذي تسببنا فيه في وقت كان علينا اصلاحه وتركه لمن يريد ان يتصدق ويخصص ما زاد عن حاجته وحاجة ابنائه كصدقة جارية للبحث العلمي والثقافة والصحة والعناية بالمسنين والعجز لان الحكومة مهما فعلت فلن تقدر عليها وحدها لأنها مُكلِفة ثم تبقي راحة نفسية لأصحابه لن يجدوها في غيرها لانهم يرغبون في المحافظة على نيتهم حتى بعد مماتهم. تذكرت بالمناسبة الأحباس الطائلة التي تجمعت للولي الصالح سيدي عبد العزيز بن عياش جدنا الأعلى والذي بات مقامه مزارا لمريديه من طبلبة وغيرها ومبيته الذي تحول بعد ترميمه ليصبح مقرات لعدد من جمعيات المجتمع المدني. ولكن ريعه الذي كان يعتمد على نحو 20 الف عود من الزياتين المنتجة تم تأميمها وتوزيعها على الخواص من غير عقبه وترك حسرة في نفوسهم ونقصا ماليا معتبرا كان مساعدا لطبلبة واهلها بدون ان يقع تعويضه وبات محل طلب دائم لم تلبيه الحكومات المتتالية، ولم يجدوا من ينصفهم الى الان. لذلك عدت الى الكتابة على ذلك الموضوع مرة ثانية مذكرا باننا تعجلنا فيه منذ السنوات الاولى من الاستقلال وافرطنا في منعه. ولكننا بتنا نقبل الصدقة من غيرنا ومن المؤسسات الوقفية المتعددة في الشرق والغرب والولاياتالمتحدة وأوروبا أيضا ولا نرى حرجا في ذلك وهو ما يمثل في نظري تناقضا لا يمكن ان يستمر اكثر من ذلك ويجب علينا وضع المشكل مجددا وبإجازته بشروط تتماشى مع العصر لان اغلب اعمال البر والاحسان في هذه الدنيا باتت تدار بتلك الطريقة ومنها الجامعات الامريكية المشهورة كهارفارد على سبيل المثال، والأكثر من ذلك هو أن الحكومات عندهم تشجع على ذلك العمل بإعفاء أصحابها من جزء من الضرائب المستحقة عليهم عادة. اكتب ذلك وانا اعرف ان إثارتي لتك القضية مجددا ستثير بعض العلمانيين والحداثيين عندنا ولكن أكثرهم يتلقى الدعم من طرف تلك المؤسسات الوقفية باستمرار وخاصة بعد الثورة ويحضرني الان مؤسسة كرناد ادينا ور الألمانية وأمثالها، لكنه في النهاية يبقى ذلك حلو المذاق منهم وحامض من عندنا.