عندما قامت السيدة خديجة المرأة التركية قبل أسبوعين بالتبليغ عن اختفاء خطيبها الذي دخل القنصلية السعودية في اسطنبول لم تكن لا هي ولا من بلغ يتصور كون ذلك البلاغ الذي تتلقى الشرطة التركية مثله عشرات المرات أسبوعيا أو حتى يوميا تتصور كونه أهم بلاغ في تركيا كلها وربما في العالم فقد يكون عون الأمن الذي تلقى البلاغ قد قام بتسجيل المعطيات في ملف على مكتبه بشكل عادي روتيني وهو لا يدرك كونه دون وسجل أهم وأخطر بلاغ اختفاء في التاريخ. لعل الرجل لم يكن يعرف من بلغ باختفائه بل مؤكد لم يكن يعرفه ولم يسمع به لكن فجأة وبصورة دراماتيكية يتطور الأمر و تتدحرج كرة الثلج وكأنها تسقط من أعلى قمة في أريست لتتحول إلى كرة عملاقة لم يعرف التاريخ مثلها. بينما كانت السيدة خديجة المرأة التركية البسيطة جالسة أمام مقر القنصلية تنتظر خطيبها وقد تأخر خروجه كانت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية تشتعل وكانت مواقع التواصل الاجتماعي تغلي فالمتخفي جمال خاشقجي لكن الأهم من هذا أن الطرف المتهم هو النظام السعودي ذاته ثم ولي العهد محمد بن سلمان. ما فعلته قناة الجزيرة بوعي وبقصدية وأيضا وهو أمر لا يمكن التشكيك فيه باحترافية عالية وهي تلغي كل ملفاتها وتركز على اختفاء خاشقجي أو بالأصح اتهام القنصلية السعودية بإسطنبول ثم ولي العهد بن سلمان يذكرنا بالمتابعات لأحداث كبرى حصلت في العالم مثل عدوان على غزة أو مواجهة بين اسرائيل وحزب الله أو حدث 11 سبتمبر . اليوم وقد دخلنا في الأسبوع الثالث لاختفاء خاشقجي نسيت السيدة خديجة ولا ندري ان كانت مازالت تنتظر أمام القنصلية أم غادرت لأنه لم يعد أحد يهتم بذلك بل نكاد نقول كون خاشقجي نفسه نسي وحل محله خاشقجي آخر صنعته الجزيرة ووسائل الإعلام ومنها الواشنطن بوست وأيضا الكونغرس وتركيا والولايات المتحدة والمخابرات الأمريكية . اليوم صار هناك خاشقجي آخر غير الذي كان كما صار لأهل الكوفة حسين آخر وللثورة بوعزيزي آخر أي أن الشخص الحقيقي يضمحل ويختفي وبذوب ويحل محله بطل ورمز وأيضا أداة للعبة الأمم ولعبة وحرب المخابرات والقوى التي تصفي حساباتها. ما حصل جريمة بل من أبشع الجرائم وهي سلب الحياة والاعتداء على نفس بشرية وعلى حرمة جسد وتمزيقه لكن كم من نفس قتلت ظلما في العالم وكم من انتهاكات حصلت لكنها مرت وغيرها سيمر . كم قتل في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان ولبنان وغزة والضفة وفي بورما وغيرها كثير لكن العالم الحر لم يتحرك لأن الحسابات الدولية حكمت بذلك أما اليوم فإن هذه القوى تريد خاشقجي بمقاسها لتعيد خلط الأوراق وتعيد تقاسمها ثم توزيعها.