رأيت بعد اشتداد الضجيج والخصام الذي ظهر في وسائل الاعلام والمواقع الاجتماعية ان أجازف بالكتابة عن العدالة الانتقالية محاولا تبسيط تلك الالية بقدر الإمكان والتي استحدثت دوليا للتخفيف من حدة الاحتقان الذي يلي عادة كل تحول في الدول من الحكم المطلق الى الحكم الديمقراطي ومنها تونس التي اختارت تلك الالية وسنت لها قانونا ألزمت به أولياء الامر وتشكلت على إساسه هيئة الحقيقة والكرامة التي باتت مشكوكا فيها لأسباب لا علاقة لها بموضوعي هذا وسيوف يأتي اليوم الذي تنكشف فيه الحقيقة. وتبسيطا للموضوع اقول لم تكن تونس الاولى التي تختار تلك الالية الاستثنائية وقد سبقها غيرها من الدول المشابهة عبر السنين واعطت نتائج حالت دون مواصلة الخصام والحد من منسوب الحقد والاخذ بالثأر الذي لا ينتهي لدى الشعوب بدون قصاص. فأقول جوابا عن السؤال الافتراضي. لماذا احدثت العدالة الانتقالية وما هي آلياتها الاساسية التي تم اقرارها من طرف المنظمات الدولية ورأت آته بدونها لن تكون مصالحة ولا محاسبة ولا وتعويض عن الاضرار لان الأصل في الأشياء اعتماد آليات التقاضي العادي الذي لا يمكن تطويعه حسب المصلحة الوقتية ولبعض الأحوال والازمان. هكذا اهتدى العقلاء في المجتمعات التي تميل للسلم والبناء والتحول السلمي من الحكم التسلطي الى الحكم التشاركي بأقل التكاليف فاتفقوا لأجل ذلك على استنباط تلك الالية وهم على بينة من الامر ودراية اذ لا بد لهم من تجاوز الاوضاع الاستثنائية بدون افساد للقضاء بإدخال السياسية الظرفية فيه. ولكن ذلك يجب ان يكون بشروط متفق عليها مسبقا تكشف الحقيقة لتدوينها حتى لا تتكرر وللخفيض من حدة الآم المتضررين التي بقيت في نفوسهم معنويا وتتعهد المجموعة الوطنية بالتعويض لهم ماديا عما لحقهم من تلك الأضرار التي باتت معلومة ومكشوفة. لذلك فان الحوارات الجارية في وسائل الاعلام ومواقف بعض المتطفلين المختارين على المقاس لا علاقة لها بما يقولون عن العدالة الانتقالية، وقد أدركت بالمشاهدة بانهم لم يكلفوا أنفسهم بدراستها بموضوعية وتجرد يمكن البناء عليه للمستقبل. ولهذه الاسباب فاني أناشد المختصين في القانون وخاصة الذين لهم معرفة حقيقية بالقضية ان يعطوا فتاويهم الصحيحة البعيدة عن الخصومات السياسية التي يريد كل واحد بها تسجيل أهدافه الدنيئة في مرمى هذا البلد الذي بات ضحية بازدياد درجة الحقد الأسود فيه الذي بات بضاعة رائجة في صدور أكثر التونسيين. واقول أيضا وقبل ان اختم هذه الورقة بان من فوت عّمدا على المعنيين بالعدالة الانتقالية بانه أجرم في حقهم مرة ثانية لما قلبوها الى قضية نزاع بين أطراف ظللت وأظلت وفوتت عليهم فرصة العدالة الانتقالية لانها الفرصة الوحيدة التي لن تتكرر ابدا وجعلت منهم وسيلة لتسجيل الأهدافها الخبيثة، وسيحاسبهم التاريخ ويلعنهم اللاعنون وفي كل الأحوال أقول مخلصا للمكابرين ( رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه)