أنهيت هذه الايام قرآة كتاب عن الوزير مصطفى بن اسماعيل للأستاذ محمد كمال قرداح الذي قام بنشره بعد قراءته وتحقيقه لمخطوط نادر وقع تحت يده وزاده قيمة بقراءات عدة لسيرة ذلك المملوك الذي تقلد أعلى الرتب في عهد المشير محمد الصادق باي المعروف بإمضائه لاتفاقية الحماية الفرنسية على تونس سنة 1981 التي تخلصنا منها بعد كفاح مرير سنة 1956 وما زالت آثارها قائمة عبر الارتباطات الثقافية والاقتصادية الى اليوم. ومما يؤكد دقة المعلومات التي جاءت في ذلك الكتاب الذي احتوى على 208 صفحة من الحجم المتوسط بما فيه من صور لأشخاص ووثائق لها علاقة بالموضوع لتؤكد ما دونه صاحبه الذي كان عمل في رحاب القضاء بأنواعه الثلاثة من العدلي والإداري والمالي وهو المتمرس في فقه القانون بانواعه بالاضافة للمدة التي تقلد فيها اعلى المناصب في الادارة وذلك ما يغنيني عن التعريف به أكثر إذ كان فيها زينة ومفخرة للمكتبة القانونية التي أثراها بعديد من المؤلفات والنفائس ما زالت مرجعا يعود اليها القضاة والمحامون وتعد قراراته القضائية مرجعا موثوقا به لدى اصحاب المهنة من المختصين. لقد احترت بعد قراتي لذلك الكتاب في التعريف بمصطفى بن اسماعيل ذلك الصعلوك الذي انتهي لتقلد أعلى الرتب في بضع سنين وفضلت نقل الملخص المدون بظهر الغلاف لاني وجدته يفي بالحاجة وقد جاء فيه: *تجري احداث هذا الكتاب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتنفض غبار النسيان عن التاريخ الخسيس للوزير مصطفى ابن اسماعيل. ولد بتونس خلال سنة 1850 مقطوع الشجرة مجهول الأصل والنسب من أم يهودية ظل الولد سنين يتسول في ازقة المدينة يتمعش من فواضل الطعام ويجوب الشوارع ومقامات الاولياء طمعا في كسرة من الخبز وحبات من الزيتون. شب في وسط من الفساد والشذوذ، واحتضنته مقصورة الصادق باي ضمن غلمانه، وطوى على انفراد في عشرية واحدة الدرجات العالية في الحرس الملكي وتخطى المناصب الحكومية مطيحا في صعوده بثلاثة وزراء كبار مصطفى خزندار وخير الدين باشا ومحمد خزندار. وتصدر كرسي الوزارة الكبرى وهو من العمر دون الثلاثين. تمكن من الاستلاء على قلب ذلك الباي واستولى على عقله وسمعه وبصره بأنواع من الاسحار ودس السم لأخويه العادل والطاهر وتربص للقضاء على اخويه الأخيرين، علي والطيب طمعا بان يورثه الصادق باي كرسي الإيالة بعد وفاته* كل ذلك جرى في فترة كانت فيها تونس تمر بصعوبات داخلية وخارجية وتحت تأثير القناصل الغربيين في عهد الصادق باي الذي أوقف العمل بدستور سنة 1861 نتيجة لانتفاضة العربان التي قادها علي بن غذاهم بعد تضعيف لأداء المجبة المسلطة على رقاب التونسيين وهو ما أدى الى انتصاب اللجنة المالية (الكومسيون) لتدبر أمر المالية التونسية بعدما عجزت الايالة عن تسديد الديون المثقلة عليها. جاء ذلك في الكتاب على قصره توصيفا دقيقا للتخبط الذي كان سائدا في الايالة التونسية نتيجة لتلاعب قناصل الدول الغربية بقرارات ذلك الباي المولى عليه نتيجة لانتشار الفساد والرشوة وتكالب الطبقة الحاكمة على جمع المال وتحويله للخارج. لقد استفحل الامر الى درجة باتت تونس كلها مرهونة تدار أعمالها من خلال وسطاء يهود ونصارى افقدوا باي تونس سلطته الحقيقة وبات من وقتها أسيرا يفكر في الحماية حتى قبل انتصابها وذلك بتاثير حاشية فاسدة منبتة لا علاقة لها بالوطن ولا باهله بل كان همهم الإثراء الغير المشروع بكل الوسائل والحصول على المزيد من المال لتهريبه للخارج وخاصة لفرنسا التي سهلت لهم المهمة ومنحت مصطفى ابن اسماعيل المتحدث عنه الإقامة الدائمة فيها وحمايته عند الحاجة بواسطة قنصلها الذي كان يشجعه على ذلك للوصول الى غايته المنشودة وهي احتلال تونس بعد الجزائر. فانا على يقين من عجزي وقلة حيلتي لتقديم ذلك الكتاب لاني لم اكن مختصا في هذا الشان ولكنني سأحاول استعراض المهم منه بدون تقيد بما تتطلبه القواعد لأن الكتاب اعجبني كثيرا وقدرت ان ذلك سيشجع القاري على الاهتمام بتلك الفترة المهمة بالاضافة لما يستحقه كاتبه الذي اعتنى به عناية فريدة وجعل منه موسوعة متكاملة تحدث من خلالها بإدراك وجدية واكد ذلك بالمخطوط الذي اتقن قراءته بعين القاضي المحقق وزاد عليه الإشارة لمواضيع اخرى باتت تحيير المحسنين بسبب تحجير التحبيس بكل أنواعه العام والخاص بحجة الانحراف بأهدافه قبل الحماية وبعدها كتخصيص الابناء دون البنات وسن الأوامر العلية الملغومة من طرف بآيات ذلك العصر الذين فتحوا الباب على مصراعيه للاستياء على أحسنها بالتعويض الغير العادل والإنزال والكردار وكلها جاءات لاستيلاء عليها من المعمرين وكبار رجال الدولة، كان ذلك الموضوع يشغلني منذ مدة ورايت ان أفرده بالذكر للفت النظر اليه من جديد، واني بهذه المناسبة أوصي بإعادة النظر فيه واقترح العود اليه وذلك تحقيقا لمساعدة الدولة اولا وتلبية لمن يريد التصدق بما زاد عن حاجته ثانيا خدمة العلم والثقافة والصحة والبحوث العلمية والعناية بالمسنين مثلما هو معمول به في اغلب بلدان العالم. لذلك فاني بالمناسبة أنوه مرة أخرى بالاستاذ كمال قرداح الذي تشرفت بمعرفته كقاض عدلي ومالي وإداري وتزاملت معه في المحاماة وكثيرا ما استعنت بآرائه لما احتجت اليها ولم اجد منه الا المساعدة، واعترف للقراء باني اكتشفته من جديد مرة اخرى من خلال هذا الكتاب الذي شدني كثيرا، ولن أزيد لاترك الفرصة للقراء المغرمين بالتاريخ ليكتشفوا عبر فقراته حقيقة تونس القديمة وأسباب احتلالها لعدة سنين من الآخرين وسوف يتأكدون مما لقول. وخلاصة القول اقول ان خوفي وحيرتي على تونس من عودة التاريخ عليها مثلما قرره المؤرخون خاصة ونحن نمر بمرحلة مماثلة من التسيب والتدمير والمبالغة في التداين وقلة الانتاج وسوء التدبير في الادارة والتخطيط وكثرة خصام المسؤولين والحدة المفرطة التي ملأت موائد الحوار والمواقع الاجتماعية لتزيد في الطين بلة.