في الحقيقة هذه "الشكيزفرينيا" لا تخص الإخوان فحسب وإنما مفتي الجمهورية أيضا،ففي أوت 2017 صدمنا بتأييده مقترح الرئيس الباجي للمساواة،وملخص قوله: (..إن الأستاذ الباجي رئيس الجمهورية أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين..هو الأب لنا جميعا،ومقترحاته التي اعلن عنها تدعيما لمكانة المرأة وتفعيلا للمساواة بين المرأة والرجل نادى بها ديننا الحنيف .. وكانت بلادنا رائدة في التقدم والحداثة..).إن هذا التصريح ،حتى لو إفترضنا كان الأول من نوعه في قضية المساواة، فهو مستهجن و غير مقبول ، فكيف إذا تذكرنا أنه كان قد صرّح قبلها بسنة بالبرلمان -شهر جوان 2016- برفض المساواة في الإرث واعتبرها مخالفة للشرع،بل أضاف أنه لا يجوز الإجتهاد في هذه المسألة بدليل الآيات الصريحة، وحذر حتى من الخوض فيها لأنها ستعطي ذريعة للدواعش في محاربة البلاد... إن هذه التناقضات ليست بالأمر الهيّن،بل مسألة خطيرة جدا !.. فإذا كان كبار القوم وعقلائهم ولا سيما مفتي البلاد هكذا فكيف سيكون العوام ؟؟...أنه التفسير الحقيقي لإستشراء الإجرام والإنحطاط الأخلاقي الذي عم البلاد بشكل غير مسبوق من الخفراء الى الوزراء ومن الأطفال الى نواب الشعب بالبرلمان(ومن ذلك ما يسمى "السياحة الحزبية والنيابية"..وما خفي كان أعظم!)..وهنا لا تفوتني الإشارة الى أنني لست من الذين إمتهنوا التهجم على مفتي الجمهورية، بل كثيرا ما دافعتُ عنه وإستنكرت عزله ، انظر المقال : تورس- مفتي الجمهورية عزله هل بقي له من مبرر؟... أما "شكيزفرينيا" حركة النهضة فحدث ولا حرج..فشخصيا ومن خلال متابعتي لتقلباتها البهلوانية الغرائبية اشهدُ انها قد حطمت "الرقم القياسي" في التناقضات الى درجة الإساءة للإسلام نفسه! فالجميع يذكُر تأييد نوابَ النهضة منذ ثلاث سنوات تخفيض ثمن الخمور المستوردة التي أثارت علماء الإسلام حتى من خارج بلادنا ومن ضمنهم الشيخ المصري عمر عبد الكافي الذي قال "هل سأقف على رأسي لأفهم هذا "؟(أنظر الفيدو: تصويت للسماح ببيع الخمور ببرلمان تونس). ثم لاحقا في برنامج تلفزي دافع علي لعريض عن هذا الموقف المخزي مبررا أنه في مصلحة البلاد!...هذا طبعا دون الخوض في محاولاتهم البهلوانية اليائسة للتهرب من قضية التحريض على "الجهاد" في ليبيا وسوريا، وهو التحريض الذي كانت قطر مركزه( انظر الفيديو : حمد بن جاسم تهاوشنا على سوريا) فنكبوا الدول العربية نكبة اشد من الغزو المغولي والصليبي والصهيوني...وهم الذين نراهم اليوم يتباكون عن مقتل "عدنان خاشقجي" رغم غياب البرهان القطعي،يتناسون جريمة بيع البغدادي المحمودي ومقتل الشهيد معمر القذافي،تلك الجريمة الشنيعة التي احتفل بها في شوارع تونس العديد من جماعة النهضة ومعهم الرئيس الوقتي المعزول المرزوقي!!! ( زعموا حينها بأن "أمه يهودية".انظر الفيديو: فضيحة كبرى اصل القذافي واسمه الحقيقي) والنهضة التي يتحامل هذه الأيام اتباعها الفايسبوكيون على كل من يساند المساواة بمن فيهم أصدقاء الأمس(الى درجة وصفتهم منذ يومين النائبة س.ع بالذباب الأزرق).ويتحاملون بشكل مركّزعلى حزب النداء،هم في الحقيقة يفتقرون الى أدنى مقومات النزاهة والإحترام والمدنية،ناهيك عن النبل والصدق الإسلامي...فهم تجاهلوا كل تصريحات قياداتهم الغرائبية المؤيدة للشذوذ بإعتباره "حرية مقدسة"..بل ومنذ تمام السنة دعت نائبتُهم بالبرلمان الى التربية الجنسية(استمع الى التسجيل الصوتي: يمينة الزغلامي تصف وزارة التربية بالرجعية وتدعو الى تعليم الثقافة الجنسية) !!! المساواة : قد يشك الإنسان في كل ما جاء به الإسلام ،إلا شيء واحد لا يمكن الشك فيه أبدا ألا وهو: دعوة الإسلام الى الخير ومن ذلك العدل بين الجميع حتى من خارج المسلمين وليس المرأة فحسب!..والمرأة في كل العالم ، حتى منذ بضعة عقود، كان عملها لا يكاد يخرج عن شؤون البيت.أما المرأة العربية حين جاء الإسلام فكان وضعها أسوأ بكثير الى درجة وأد المولودة أحيانا .ولذلك فالإسلام حين اسند لها نصف نصيب الذكر كان كريما جدا و" في منتهى التقدمية"..ولكن الآن، وقد صارت المرأة تشتغل مثل الرجل ،فهل بقي من مبرر لعدم المساواة؟؟..طبعا لا! لكن القضية الأعمق هي : هل شغل المرأة نعمة أم نقمة؟؟ هنا بيت القصيد!!... إن شغل المرأة تسبب في بلبلة خطيرة جدا بمجتمعتنا العربية، وخاصة في قضية البطالة!.. إن الشرارة التي اشعلت الثورة في تونس كانت تخفي رمزية عميقة،لكن اكثر الناس لم ينتبهوا إليها!... لقد سمعننا مرارا بعض "البورقيبيين" وهم ينسبون ثورة 14جانفي الى الزعيم بورقيبة ،رحمه الله وغفر له. ويبدو أنهم قد أصابوا كبد الحقيقة.لكن خلاف القصد !...ألم تكن شرارة الثورة: إمرأة موظفة ذات سلطة تصفع رجلا عاطلا مهمشا!؟؟... عمل المرأة: في أروبا منذ قرن،و رغم بنيتهم التحتية الضخمة،لم يكن عمل المرأة شائعا.وجاءت الحرب الأولى ثم الثانية التي زجّت بالرجال في الجبهات،فتم تعويضهم بالنساء.ولما وضعت الحرب اوزارها كانت المدن مهدمة والقتلى والجرحى بالملايين،وهذا دفع حتى الى إستيراد اليد العاملة.ومن هنا إنقلب وضع المرأة، وكان دون تخطيط..أما شغل المرأة عندنا فهل كان له من مبرّره غير التقليد الأعمى؟؟ ("في مراهقته الفكرية" قال طه حسين في كتابه الشهير -مستقبل الثقافة في مصر- : على الشرق إذا أراد التقدم أن يتبع خطى الغرب في حلوها ومرها وفي ما يستحن منها وما يعاب...) !!؟.. وعموما يجب أن لا نخلط بين بين تثقيف المرأة وبين تشغيل المرأة!!..فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ،أما العمل فالرجل بكل تأكيد اولى من المرأة.وما تفاقم البطالة إلا نتيجةً لهذا الخلل،فاليوم المرأة استحوذت على جميع مجالات العمل( حتى في المقاهي...المليئة بالشباب العاطل عن العمل!) ..لقد تنبه الطاهر الحداد،رحمه الله، في مقدمة كتابه - امرأتنا في الشريعة والمجتمع-الى هذا حين استشهد بما قاله الغربيون أنفسهم عن خطورة تشغيل المرأة وما سيترتب من بطالة حتمية . ولكن وفي كل الأحوال الحداد وغيره من المصلحين لم يكن في حسبانهم هذا الإنقلاب الكبير الذي يذكرنا بالتلوث البيئي الكارثي نتيجة للمصانع الكيماوية التي تم تنصيبها بمزاعم " الحداثة ومواكبة الحضارة"!...( انظر مقالي منذ اشهر: الشروق- المساواة بين الشريعة والطبيعة) وعلى كل حال ربما الأنسب للمرأة وللمجتمع هو عملُها لنصف الوقت فقط (إن هذا سيوفر في الحال قرابة مئة وخمسين ألف موطن شغل!)...وفي هذه الحالة فقط تصح القاعدة الإسلامية الخالدة { للذكر مثل حظ الأنثيين}..يبدو أن الإمام مالك،رحمه الله،كان ألمعيًّا و لم يجانب الصواب بقوله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها!