كل متتبع للمشهد السياسي ببلادنا بعد 8 سنوات من " الثورة" يلاحظ و أنّ البلاد و العباد في زنقة حادّة، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، و هذا لا يتطلب مجهرا لنلاحظ ما تردّت فيه البلاد من مطبات متنوعة و لعلّ أهمّها المطبات السياسية في ظلّ التجاذبات الطاحنة التي ذهبت بالأخضر و اليابس على حساب النماء الاقتصادي و الرفاه الاجتماعي و كأن أمر الوطن ككل هو آخر اهتمامات السياسيين عندنا بقدر اهتمامهم بخوض معاركم من أجل المراكز و المناصب و ما تجلبه من غنائم شخصية. و لكن الخطير في الأمر هو تواجد - حسب الظاهر - لمعركة خفيّة ،لا يدركها المواطن العادي، و تشير بوصلتها إلى اتجاهين مختلفين لمستقبل تونس. الأوّل، من أجل نحت نمط مجتمعي معيّن و توجه سياسي و اقتصادي ما زال يلفه الغموض، و تقوده النهضة و توابعها و الثاني يقوده الباجي. القائد السبسي. رئيس الجمهورية في نفس الاتجاه و لكن بنظرة مغايرة تماما للنمط الأوّل ومخالف له،.و من بوادره إعادة النّظر في الكثير من العناصر الهامة سنتطرّق لها تباعا في هذه الورقة. خاصّة أمام توجهات التغوّل. التّي تقودها حركة النهضة – حسب المتتبعين للشأن السياسي - عبر تغلغلها في مفاصل الحكم و ترسيخ جذورها عبر المؤسسات الدستورية و غير الدستورية للبلاد و منها ما يسمى بالجهاز السّري و ما يعرف أيضا بالغرفة السوداء و عبر تورطها كما يشاع في المناخ الارهاب و التسفير إلى بؤر التوتر. و لعلّ هذه البوادر لتوجه الباجي القائد السبسي بدأت خواتها الأولى بالقطع مع ما يعرف بالتوافق مع حركة النهضة لتليها خطوات أخرى تشير إلى القطع نهائيا مع رؤية حركة النهضة جذريا، منها ما هو محلّي عبر التأكيد على تتبع لما يعرف بالجهاز السرّي التي أعلنت عنه هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمي و احالة الأمر على القضاء - و ما الحكم بالسجن على مصطفى خضر إلاّ أحد خطوات هذا التوجه - و هذه الخطوات قد تساهم في خلق رأي عام ضدّ حركة النهضة و أتباعها فضلا عن استقباله إلى بعض الأقطاب السياسية الوسطية على غرار مهدي جمعة و غيره و أيضا منه ما هو اقليمي في اطار استقبال شخصيات سعودية و اماراتية و اقترابه من سوريا و قد يعلن قريبا على فتح السفارة السورية بتونس و هذا التوجه الأخير ينّم على نيّة فتح ملف التسفير إلى بؤر التوتر و من وراءه خاصّة و أنّ الرّأي العام يعتقد و أنّ قيادات من النهضة متورطة فيبه و قد تفضي كلّ هذه التطورات إلى بناء جبهة وسطية ذي توجه اجتماعي جديد للتصدي للنهضة و تغولها و قد تحمل بين طياتها الكثير من المفاجآت و لعلّي أقرأ بين السطور ميلاد تكتل حزبي كبير يضم النّداء و الأحزاب الوسطية و قد تكون المفاجأة الكبرى في انضمام اليسار إليها لإحراز الفارق و التقدم. و قلب الأوضاع رأس على عقب. و قد يكون هذا التحرك، الذي يقوده الباجي القائد السبسي، هو ما دفع بحركة النهضة في المقابل لتقرأ لهذا التوجه الجديد و تقرأ حساب لكل طارئ و بالتالي لم تبق النهضة على ما يبدو مكتوفة الأيدي لنجدها تعمل جاهدة من أجل رصّ صفوفها استعدادا للمحطة الانتخابية القادمة معوّلة – حسب اعتقادها – على فرس رابح ألا هو يوسف الشاهد النّدائي في الأصل ومن ورائه كتلة الائتلاف و من لفّ لفها – وهذا يؤكدّ و أنّه لا علاقة دائمة في السياسة بل مصالح قائمة – فضلا على محاولة استدراج غيره و ما استقطاب محسن مرزوق و حزبه إلى رحاب النهضة إلاّ أحد حلقات هذا التكتل الجديد الذي قد يعرف هو أيضا العديد من المفاجآت في قادم الأيام القليلة. لكن الظاهر و أنّ كلّ هذا السباق المحموم و كلّ هذا التنافس يبدو و أنّ عنوانه الكبير يقول " أي نمط مجتمعي وأي توجه اقتصادي نريد؟ "باعتبار اختلاف التوجهين ؟ فهل سيكون الباجي و من ورائه النداء و الأحزاب الوسطية و ربما كما أشرت سابقا اليسارية منها و التي تدعو إلى الاقتصاد الاجتماعي ستكون المنقذ للبلاد و العباد و هي التي تري في الشاهد نفسه ليس إلاّ " كمبارس" في يد النهضة و "كبش نطيح" لتلفظه – أي النهضة - بعد أدائه للمهمة المناطة بعهدته و تعود حليمة إلى عادتها القديمة رغم ما تدعيه النهضة من كونها حركة مدنية أم أيضا أنّ الداهية السياسي السبسي يلعب ورقة أخيرة للفوز بفترة رئاسية جديدة و كفى المؤمنين اقتتالا أم تحرّكه فيه من الجدّية و المسؤولية السياسية و الأخلاقية لإنقاذ البلاد و العباد من براثن توجه حكم تلفه الضبابية إذا ما آل الأمر مجددا إلى النهضة؟ كلّ هذه الأسئلة ستجيبنا عنها الأيّام القليلة القادمة و لعلّ بوادره تجلّت في الحراك الاجتماعي الأخير الذي تشهده بعض الجهات و بعض الأسلاك و الشرائج الاجتماعية و يبدو أنّنا مقبلون على فترة ساخنة اجتماعيا و سياسيا قد تفرز ربما طريقا ثالثا بعيدا عن خطّ النهضة أو خطّ النّداء فتونس من طبعها ولاّدة و بلد المفاجآت ؟