الإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية و القطاع العام قدّر خسائره المختصون بين 150 و 300 مليار من المليمات باعتبار ما تكبّدته خاصّة شركات النقل برّا و بحرا و جوّا فضلا عن تعطيل جلّ الخدمات المقدمة للمواطن باستثناء الحيوية و الضرورية منها عبر آلية التسخير و بين هذه الحصيلة الثقيلة نسبيا على الاقتصاد التونسي - بحكم ما تشهده البلاد من ركود اقتصادي - يتمسّك " الخصمان "، الحكومة و النّقابة، كلّ بموقفه فلا الطرف الحكومي مستعد - دعما للمقدرة الشرائية للمواطن عموما - تقبّل اقتراح الطرف النقابي حول مبالغ الزيادةو لا الطرف النقابي أيضا مستعدّ لتفهم الوضع الحرج للبلاد خاصة على مستوى انخرام التوازنات العامة للبلاد ؟ و من هذا المنطلق نطرح سؤالا مركزيا واحدا مفاده هل " المعركة " الدائرة رحاها بين الحكومة و النّقابة هي معركة " نظيفة " من أجل مصلحة البلاد ( من وجهة نظر الحكومة ) و أيضا من أجل مصلحة العباد ( من وجهة نظر النقابة ) و إلاّ ما العيب للتنازل الطرفين بعضهما لبعض و تقريب وجهات النّظر من أجل مصلة الوطن و المواطن؟؟ اعتقد جازما و أنّه رغم وجاهة نظر الطرفين – الحكومة و النقابة – ظاهريا في أنّ كلّ منهما يدافع عن مصلحة العباد و البلاد حسب موقع كلّ منهما إلاّ أنّي استشعر و أن هناك حلقة مفقودة في خوض هذه المعركة و كلّ طرف يحاول جاهدا اخفاءها – رغم بعض الانزلاقات التي يشهدها هذا الطرف أو ذاك في بعض التصريحات – تلميحا أحيانا و تصريحا أحيانا أخرى بل أرى و أنّ هذا التصادم ينطبق عليه المثل الشعبي القائل " ما ثمّاشقطوس يصطاد للربّي " و بالتالي سنبحث عبر هذه الورقة احتمالات ما يكون عليه هذا "الصيد" الذي يبحث عليه كلّ من الحكومة و النقابة خاصة و أن البلاد مقبلة على محطّة انتخابية فاصلة في حياة الانتقال الديمقراطي و في حياة الوطن عامّة؟ و قصد الكشف عن هذه الحلقة المفقودة أو التي يحاول كلّ طرف اخفاءها، أرى أنّها أوّلا تختبئ بين طيّات بعض التصريحات لهذا الطرف الحكومي أو ذاك الطرف النّقابي و الأكيد و أنّ البعض تفطّن إلى بعض تلك التصريحات الملغومة التي تحاول ايصال رسائل من و إلى كلّ طرف منهما و ليس المجال لاستعراض البعض منها بل يمكن القول و أنّها في مجملها تحمل معنى الوعيد و التهديد السياسي من قبل الطرفين و بدوء استثناء. و ثانيا نستشف تلك الحلقة عبر الاصطفاف وراء هذا الطرف أو الطرف الآخر وكلّ محبّ لهذا الفريق أو الفريق المقابل يحاول بكلّ ما أوتي من قوّة مؤازرة الطرف الذي ينتمي إليه سواء عبر الدعم بالحضور المادّي في كلّ التحركات التي تشهدها الساحة السياسية أو عبر الاسناد الاعلامي في مختلف المحامل الاعلامية بمختلف أشكالها المرئية و المسموعة و أيضا عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تأييد ذاك الطرف أو هذا اطرف و لكن أيضا و ثالثا بدون أن ننسى بعض الدوائر الرّسمية الخفيّة التّي تدير اللعبة و تحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار و الداعمة لهذا الطرّف أو الآخرحسب ما ستجنيه من وراء ذلك من مصالح. و من هذا المنطلق التحليلي لهذه " المعركة " التّي ظاهرها الدفاع عن المقدرة الشرائية للمواطن عبر طلب الزيادة في الأجور من قبل الطرف النقابي و أيضا عبر الدّفاع عن التوازنات المالية العامّة للبلاد من قبل الطرف الحكومي، يختبئ هدف خفيّ و غير معلن تدور رحى المعركة فيهعبر معركة ليّ الأذرع، ظاهرها اجتماعي و اقتصادي و باطنها سياسي بامتياز، و لكن للأسف وقود هذه المعركة هو المواطن عموما – عبر الحديث عن الدفاع عن اهتراء مقدرته الشرائية و بالتّالي الزيادة في الأجور لتقليص هذه الهوّة بين ارتفاع الأسعار و عدم قدرة المواطن على مجابهتها – و إن كانت هذه هي حقيقة الوضع – و عبر تعبير الطرف الحكومي عن غيرته و استبساله في الدّفاع عن اقتصاد البلاد و الدفع نحو التقليص من انخرام التوازنات المالية العامة مع قبول زيادة تتماشى و وضع البلاد اقتصاديا؟ هذه هي الصورة المتكتم عليها من كلا الطرفين حتّى لا يخسر كلّ منهما المواطن الناخب الذي قد يستحقه في قادم " المعارك " حيث الكلّ يغازله حسب الوسائل المتاحة، و ليبقى في حقيقة الأمر الوطن و المواطن سوى وقود لهذه المعارك من أجل التربع على كرسي الحكم لا أكثر و لا أقلّ و هذا هو الخطير في هذه المعركة الخبيثة من قبل الطرفين باعتبار و أنّ لكل منهما أنصاره و شبكاته و مموليه و مؤيديه و مصالحه و لكن في النهاية الخاسر الوحيد هو المواطن و الوطن لأنّه اقتصاديا هناك حلول أنجع من الزيادة في الأجور و إن كانت أيضا اقتصاديا تشجع على زيادة الاستهلاك و هذا الأخير يعتبر محفّزا أيضا على الزيادة في الانتاج إلى آخر الحلقات في هذا الجانب الاقتصادي و بالتالي على الحكومة لو كانت جادّة في البحث عنها لأمكنها ذلك عبر أوّلا تجميد الأسعار لمدّة معيّنة و عبر الضغط على المهربين و المحتكرين و عبر الرقابة بصفة عامّة و عبر ايقاف توريد كلّ الكماليات و خوض معركة حقيقية ضدّ الفساد و الفاسدين و لكن يبدو و أنّ لكل طرف أجندته البعيدة كلّ البعد عن مصلحة البلاد و العباد...