تناول اللقاء الأخير، الذي جمع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة آخر الاستعدادات الحكومية لإنجاح القمّة العربية القادمة بتونس في نهاية شهر مارس، هذا شيء له من الأهمية بمكان على الأقل من الجانب اللوجستي لحدث عربي هام و لكن الأهم من ذلك في أي مناخ ستنعقد هذه القمّة العربية و الكل تقريبا في خصام مع الكلّ فضلا عن المشاكل الداخلية العويصة التي تجتاح بعض هذه الدول العربية ؟ فهل لابدّ من الوساطات العربية لإعادة العلاقات العربية/ العربية؟ وهل ذلك ممكن و الحال و أنّه لا يفصلنا عن انعقاد هذه القمّة إلا حوالي شهر تقريبا؟ و هل تنجح هذه الوساطات قبل انعقاد القمّة في حلحلة الأمور و تنقية الأجواء بين الإخوة الأعداء. المتأمّل في حال الأمّة العربية يجدها إمّا في حالة حرب أو في حالة مواجهة مشاكل داخلية أو في مواجهة قوى خارجية، فالوطن العربي - من مشرقه إلى مغربه مرورا بالجزيرة العربية - عبارة عن مسرح لصراعات مختلفة منها ذات طابع دولي و منها ذات طابع اقليمي و منها ذات طابع عربي و البعض منها مزيج بين هذه الأشكال الثلاثة من الصراعات و بالتالي لا يمكن انكار دور الكيان الصهيوني و امريكا تحديدا في تأجيج هذا الصراع بالمنطقة العربية و لكن ما يهمنا في هذه الورقة هو الصراعات العربية و التي هي من صنع عربي حيث نلاحظ العديد من الاشكاليات العربية / العربية فضلا عن الأوضاع المأساوية التي تعيشها بعض الدول العربية من خراب و موت و تهجير نتيجة خريف الدم العربي و لا أقول الربيع كما درج الغرب على تسميته و بالتالي نرى و أنّ الكل تقريبا متخاصم مع الكل، فالمغرب بحكم مشكلة الصحراء الغربية ووضعية "البوليساريو" في حال مدّ و جزر مع الجزائر فضلا عن الاشكاليات الأخيرة بين المغرب من جهة و السعودية و الإمارات العربية لنفس السبب. من جهة أخرى و أيضا المملكة العربية السعودية بمعية بعض الدول الخليجية تعيش مأزق حرب اليمن و السودان تمرّ أيضا بأزمة داخلية و فلسطين من سيء إلى أسوأ خاصة في اطار الصراع الإخوة الأعداء ( قطاع غزو و الضفة الغربية ) و كأنّ فلسطين أصبحت دولتين داخل الدولة الواحدة إضافة إلى ليبيا و ما تعيشه من وضع داخلي صعب يهدد وحدتها الترابية و الأكثر تعقيدا هو المشهد السوري و مواقف الدول العربية منها و نحن على أبواب انعقاد قمّة عربية خاصة بعد نجاحها سوريا و لو عسكريا في القضاء على الارهاب و أخير مصر التي يبدو و أنّ دورها ضروري لإعادة التوازن العربي خاصة على مستوى الصراع العربي مع الكيان الصهيوني. ومن هنا أعتقد جازما، إذا ما أراد العرب اقتناص هذه الفرصة، من أجل تصفية و تنقية الأجواء العربية ليس أمامهم إلاّ خيار التقارب العربي / العربي و تجاوز كل الخلافات الهامشية و الاهتمام بما يضمن استقرار المنطقة العربية أمنيا و غذائيا و اقتصاديا و اجتماعيا و الابتعاد عن النعرات التّي تهدم الصرح العربي و تقدم عالمنا العربي على طبق من ذهب لأعدائه و كلّ الطامعين في مدخراته لأنّ محور الصراع اليوم العربي/ العربي للأسف هو بين محور مقاوم رافض للتبعية للخارج و مناصر للقضية الفلسطينية و طامح إلى إقامة وحدة عربية و بين محور لا يهتم كثيرا بالبعد القومي الوحدوي للأسف – و لا يرى حرجا في تبعيتها للخارج و ارتمائها بين أحضانه و لا يحرجه تصفية القضية الفلسطينية و بالتالي يعيش في قطرية ضيقة و من هذا المنطلق نقول و أنّه لا بدّ من مشروع عربي ينهض بالأمة العربية كبديل للمشاريع التّي تقسّم و تجزئ الأمّة والسؤال هنا هل تنجح أشغال القمة العربية القادمة بتونس في الذهاب قدما نحو إذابة الجليد بين الأقطار العربية و تصلح البين بين الإخوة الأعداء و تتبني مشروع النهضة العربية على الأقل في خطوة الأولى نحو التصالح العربي والاتفاق على الحدّ الأدنى من التوافق حول القضايا الأساسية للأمّة العربية و على رأسها القضية الفلسطينية و التصدي لكل مشاريع التقسيم للعالم العربي و لم لا ارساء التكامل الاقتصادي و حرية تنقل الشعوب العربية بين الأقطار العربية المختلفة في انتظار أن نعيش الحلم في بناء الوحدة العربية الحقيقية في مرحلة أخيرة، فهل بإمكان قمّة تونس تحقيق و لو النزر القليل من هذا الحلم، أتمنى ذلك؟