«الهانة ورقود الجبانة» كلمات تونسية تُقال في التعبير عن تفاهة وسخافة شيء يريد بعض الجهلة أو المخادعين أن يرفعوا من قدره وشأنه الى اعلى عليين وهو في حقيقة وواقع أمره منحط وضيع وفي اسفل السافلين…. وكثيرا ما تطوف براسي وذهني هذه الكلمات وانا امر صدفة ومن غير ميعاد ببعض البرامج التافهة التي غزت بكثافة ودون إبداع أو طرافة ما استحدث من قنوات تلفزية في آخر هذه السنوات العجاف الفوضوية... ولقد مررت البارحة صدفة بمنوعة تلفزية تريد أن تجد لها طريقا في السهرات الليلية ولكنني أظن ان طريقها مسدود الى أبعد الحدود في مجال الابداع الفني الحقيقي الذي ضبط حدوده عباقرة سابقون والذين ولى وانقضى وذهب وراح عهدهم وزمانهم الجميل ولم لن يعود ... وقصارى القول وباختصار ان البرنامج الذي مررت به من غير ميعاد وانا اجتهد وبيدي آلة التحكم التلفزية في ايجاد برنامج يسليني بما يمتع الأذن ينير البصائر والأبصار هو برنامج تدعي قناته انه برنامج ترفيهي من الطراز الرفيع قد أبدع اصحابه فيه لكن العقلاء يردون عليهم بانهم لم يجدوا فيه وعنده ما يستحق الذكر والتنويه وذلك ان من بين فقراته الهزيلة العليلة فقرة يبلس فيها المكلفون بتاثيثه القناع وتعرض عليهم صور يتولون التعليق عليها بما تسعفهم السنتهم قدر المستطاع على أن يكون هذا التعلق معكوس العبارات التي يجب ان يفهم منها عكسها في ادراك المعنى المراد وفي فك شفرات الرموز و الدلالات. وكثيرا ما تكون هذه التعليقات جارحة ناطحة فاضحة للشخص المذكور وتؤدي في الغالب الى رده العنيف الطبيعي على من أراد تشويه سعته واسمه بنوع من السذاجة ومن الكلوف ولذلك كثرت بين الوجوه التلفزية ندنا اليوم الخصومات واتعبوا التونسيين وصدعوا رؤوسهم بمشاكل وقضايا وحوارات الهزان والنفضان.. ولقد ترحمت بعد الذي رايت وبعد الذي سمعت وبعد الذي فهمت في تلك المحطة على العديد من البرامج التلفزية التونسية في ذلك الزمن الماضي الجميل عندما كانت تلفزتنا بلونين لا ثالث لهما ولم تكن لها الامكانات ولا الطاقات ولا الحريات التي تتنعم بها قنوات اليوم.الفاشلات الفراغات الا من الصياح والخصومات… ولكن لها في المقابل لذلك مبدعون حقيقيون صادقون مؤدبون مثقفون يجلبون المشاهدين بكلامهم الجميل الموزون بلا وقاحة ولا تجلطيم ولا مجون ويجتهدون ويتفننون في رسم الابتسامة على وجوهنا والفرحة والسرور ويكفيني في هذا المجال ذكر منوعة المبدع الراحل محمد الجموسي رحمه الله وغفر له بما قدمه للناس من الفرحة والمتعة وما انتجه لهم وما اعطاه والذي كان امن لا يعرفه فنانا وشاعرا ومؤلفا وملحنا في نفس الوقت والذي امتع المشاهدين في سنوات السبعينات باقل التكاليف ودون خروج عن الأخلاق الراقية ورفيع الأدبيات ...من اجل ذلك وحده بقي اسمه مذكورا على كل لسان كلما ذكر الذاكرون الفن و الابداع والعبقرية والاتقان… أما عن هؤلاء الخفافيش الذين نراهم يحاولون التحليق والطيران وكسب الشهرة والثروة عل رؤوس المغفلين في اخر هذا الزمان فليعلموا ليتاكدوا انهم سيكونون بعد قليل هباء منثورا و نسيا منسيا أو لم يسمعوا بقول ذلك الحكيم الناصح الفصيح الذي قال وسال الناس ونبههم وهو ينذر ويصيح (وهل يصح في الأخير غير الصحيح)؟... فإن لم يسمعوا بهذا القول الحكيم فلنذكرهم بقول آخر مثله وعلى نغمته وشاكلته قاله صاحبه في مقام التنبيه والعظة والقرصة (احذروا التافهين الفارغين من قبيل وفئة ببوش بومصة)...