غادرنا نهائيا المرحوم محمد الحبيب الهيلة في غفلة منا واختاره الله لينعم انشاء الله بالجنة التي وعد بها المتقين من عباده الصادقين متمنيا بحوله تعالى ان يكون منهم وقد أفنى عمره المديد في طلب العلم والبحث والتحقيق في كتب التاريخ. تشرفت بمعرفته في السنوات الاخيرة وكم التقينا معا بسعي من صديقنا المشترك المبدع رجاء فرحات اطال الله في عمره ومتعه بالصحة العافية ومزيد التألق في محاكاة التاريخ بطريقتهالفريدة. كنت عرفت قبله قريبه الاستاذ عبد الرحمان الهيلة المحامي الشهير الذي لم يخرج بعده لتلك المهنة النبيلة أحد يضاهيه فصاحة ودفاعا عن الغلابة والمظلومين. تخرج المرحوم المعني بهذه الترجمة بشهادة العالمية من الزيتونة وتوجها بدكتوراه دولة من جامعة السوربون بإشراف المستشرق الشهير شارل بيلا بتوصية خاصة من المرحوم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور حسبما حدثنا هو بذلك ذات يوم على مائدة طعام جمعتنا بالمدينة العتيقة في فندق العطرين بدعوة من صديقنا المشترك رجاء فرحات الذي تكرم علينا بالدعوة اليها كما تؤكده الصورة التذكارية التي أخذت لنا بتلك المناسبة. اتذكر ان المرحوم يومها حدثنا عن مسيرته الطويلة التي قضاها استاذا محاضرا بالجامعة الزيتونية وبعدد من جامعات الخليج وخاصة منها أم القرى بمكة المكرمة، وقد استمرت مدته فيها لعدة سنين وتخرج على يديه عدد كبير من العلماء الإجلاء مازالوا يذكرونه بإعجاب ويكنون له الود والجميل لسعة علمه وتواضعه وتفانيه. وتذكرت بالمناسبة سفرتنا معا منذ أكثر من عشر سنين الى بيروت للمشاركة في مؤتمر المكتبات والكتبيين مع الدكتور عبد الجليل التميمي ومجموعة من المهتمين وقد اطلعنا خلالها على حالة الكتاب والكتبيين والنشر في العالم العربي. كما تذكرت انني دعيت منه ذات يوم منذ سنتين لحفل تكريم بالكتبة الوطنية بمناسبة أهدافه لمكتبته الشخصية مع مجموعة من المخطوطات الفريدة هبة منه خالصة لوجه الله ليستفيد منها الباحثون. كما كان يحضر من حين الى حين في ملتقيات مؤسسة التميمي الأسبوعية ويهتم بالشهادات الشفوية المحفوظة في الصدور التي كان يدلى بها أصحابها تدوينا للتاريخ الحديث الذي اختصت به تلك المؤسسة الفريدة اثراء وحفظا للتاريخ الحديث. واخيرا وليس آخرا اقول لمن لم يعرفه او يسمع به، يمكنه ان يتابع تسجيلات الحلقات التي بثتها التلفزة الوطنية وشارك فيها مع السيد رجاء فرحت عن المدن العربية واثار المسلمين، من دمشق الجريحة الى فاس بالمغرب الأقصى او صنعاء الشهيدة او غرناطة المفقودة التي ترك فيها المسلمون من عجائب الدنيا اثارا ما زالت تسر الزائرين. لقد تأثرت لفراقه الذي اثر فيً كما اثر في كل من عرفه من قريب او بعيد، لكنه وبعد تقديم تعازي الحارة لعائلته وأصدقائه وللتونسيين وللعالم العربي عدت الى حكم رب العالمين الذي جعل لنا من هذه الدنيا ممرا الى دار البقاء وهي خير وأبقى كما بشر بها رب العزة رسوله الكريم في سورة الضحى (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4) منهيا كلامي بالقول: انا لله وانا اليه راجعون.