نفس المحرضين على الفتنة و إجهاض طموحات الشعوب أولئك الذين تورطوا منذ أربع سنوات و نصف في حرب اليمن فدمروا بلدا أمنا و روعوا أطفاله و استحيوا نساءه و نشروا فيه المجاعة و الكوليرا و هجروا شبابه و أتلفوا زرعه و نسله. نفس المهووسين بعداء حريات الشعوب وقيم الإسلام الذين قصفوا صنعاء والحديدة و احتلوا جزيرة سوقطرة و اغتالوا أطفال اليمن في المدارس بعد أن دكوا حافلة نقل تحمل أطفالا يمنيين الى مدارسهم أو ما بقي من مدارسهم فاستشهد تلاميذ أربعون و تبعثرت أشلاء أجسادهم و امتزجت مع دفاترهم و كتبهم. هؤلاء هم أنفسهم الذين خربوا العالم العربي بجنون حكام مراهقين لم يرعوا حرمة و لا راعوا ذمة هم الذين بهداية من الله اكتشفهم أحرار ليبيا حين أدركوا من حرض المتمرد خليفة حفتر أثناء زيارة دعوه فيها للخارج و عاد الى ميليشياته في ليبيا ليبدأ عدوانه على الشرعية التي رغم هشاشتها إلا أنها اكتسبت الإعتراف الدولي و الأممي بنواة دولة مدنية ديمقراطية إتفق العالم أنها الوحيدة التي ستنقذ ليبيا من حالة اللا دولة و تلحقها بالمجتمع الدولي و تؤسس لها مؤسسات دولة كبقية الدول و لكن الأيدي الأثمة حركت مطامع عسكري متقاعد شارك عام 1969 العقيد القذافي في انقلابه ضد الملك الصالح إدريس السنوسي ثم انقلب على العقيد المعقد و هرب الى أمريكا حيث استقطبته المخابرات و وظفته و سلحت حوله بعض المرتزقة و هاهو ينفذ اليوم أجندات غريبة عن المنطقة في مغرب عربي مسلم لديه شعوب واعية و طامحة الى استقلال قرارها وحرية خيارها شعوب خرجت في الجزائر تؤكد أن لا وصاية على الشعب الجزائري البطل و رفعت المظاهرات المليونية لافتات رافضة لتدخل بعض الأطراف العربية المعروفة بمحور الشر في شؤونها لأن لا شيء يخفى على الشعوب و الضمائر و تذكرت شخصيا لقاءاتي العديدة في مقهى باريسبتونس العاصمة أواخر الستينيات بشاعر الثورة الجزائرية الكبير مفدي زكرياء رحمة الله عليه وهو الرجل قصير القامة يخفي العينين وراء نظارات سميكة وهو الشاعر الثائرصاحب النشيد الرسمي للثورة الجزائرية الذي تدوي كلماته النارية الثائرة و ألحانه العبقرية الحماسية في القلوب بتلك الموسيقى الرائعة التي لحنها الموسيقار المصري الراحل محمد فوزي : (قسما بالنازلات الماحقات و الدماء الزكيات الطاهرات قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا فاشهدوا) و كان مفدي زكرياء يعيش في وطنه الثاني تونس و يحدثنا نحن شباب ذلك العهد عن تأليفه لنشيد الثورة في سجن (لامباز) الرهيب الذي شيده الإستعمار الفرنسي في قلب جبال الأطلس وهونفس السجن الذي سجن فيه الباهي الأدغم و يتذكر مفدي زكرياء رحمه الله أنه كتب كلماته يوم 25 أفريل سنة 1955 حين كانت الثورة وليدة و وريثة الأمير عبد القادر و كانت تونس هي السند و الحامي و الوطن المستعد للتضحية هذه هي الجزائر المقاومة التي طمعت عناصر الثورة المضادة في ترويض شبابها و التغرير بهم لنسف مكاسب الربيع الجديد الذي بدأت بشائره تهل مع عام 2019 كأنما أرادت تلك العناصر الكامنة في جحورها في باريس (خلية دحلان) بث الفتنة و تأبيد حكم العسكر مثلما يراد لليبيا اليوم و تحقق لهم في مصر عام 2013 و لكن هيهات هيهات فالمغرب العربي سيكون عصيا عليهم و لن تجدي نفعا تلك الأموال التي تسرب تحت الطاولة لوكلاء و عملاء عرب حين يدعون الى باريس كما دعيت إحدى المرشحات التونسيات فعادت مباشرة الى قلعة الثورة سيدي بوزيد و اصطدمت بما لم تتوقعه من ترحاب لأن رماد الربيع المجهض في تونس ما يزال يخفي الجمرات الحية و في ليبيا استعر بركان الغضب ليصد الهجمة المضادة و امتد الربيع الجديد الى السودان ينتفض ضد حكم طال و تمدد و طالبت الجماهير بدورها الطبيعي في اختيار من يحكمها بعد ثلث قرن من نفس الوجوه و نفس الفشل. كأنما يقول المغرب العربي و يردد صداه العالم العربي بأن لا يمن بعد اليوم لا في ليبيا و لا في الجزائر فليخسأ سماسرة المال الفاسد و مقبلو أيدي اليمين الغربي العنصري المتطرف حين جاءوا لأسيادهم غلاة العنصرية اليمينية القذرة يقبلون الأيادي و يحرضون أصحابها على المسلمين ليعينوا دعاة الاسلاموفوبيا و يمنحونهم التبرير فيجيزون قتل المسلم الأمن و يعلنون أن حركات التحرير المشروعة هي الإرهاب و أن قاتل الخمسين مصليا في نيوزيلندة مختل عقليا و ليس إرهابيا ! إنه مشروع صفقة القرن الذي جاء به الرئيس ترامب فاعترف بالقدس عاصمة إسرائيل الأبدية و اعترف بالجولان تابعا الى الأبد للكيان الصهيوني الأبارتايدي ! سيحاسب التاريخ كل الخونة و الله يمهل و لا يهمل و سبحانه فإن من أسمائه الحسنى (الحق و العدل و المنتقم) جل جلاله.