خلال الحرب العالمية الثانية كانت كوريا الموحدة قبل أن تنقسم إلى شطرين بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945 محتلة من طرف اليابان التي دعمت احتلالها بطريقة منعت عن كوريا أي تقدم أو نهضة و زادت بأن سيطرت على الانتاج الزراعي وافتكت كل المشاريع الاقتصادية التي يقيمها أفرادها غير أن حدثا خارقا قد حصل وغير من وجه إحدى الكوريتين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا الحدث الفارق في تاريخ كوريا الجنوبية هو ولادة مواطن يدعى " شونغ جو يونغ في سنة 1915 في إحدى القرى الريفية النائية التي تعيش سكانها على ما تدره الأرض حيث كان والده مزارعا يعول عائلة فقيرة متكونة من سبعة أبناء وكان شونغ جو يونغ واحدا منها. تقول سيرته الذاتية أنه تعذر عليه الذهاب إلى المدرسة وتلقي العلم كباقي أقرانه وقد زاد تحالف الاستعمار الياباني مع الفقر الذي خيم على البلاد من أزمة هذه العائلة وزاد من اتعابها. قرر شونغ جو يونغ ترك قريته والتخلي عن إعانة والده في خدمة الأرض والاشتغال بدل عن ذلك بالتجارة فقرر الاستقرار بمدينة سيول وهناك تعرف على تاجر أرز كلفه بمسك حسابات متجره وبعد أن كبل المرض صاحب المحل وجعله غير قادر على الاعتناء بتجارته حولها إلى شونغ وأوكله عليها وكان ذلك سنة 1937 أي سنوات قليلة قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبعد أن حسن شونغ وطور تجارة الأرز وأصبح منافسا قويا في مجال تجارته تفطن إليه اليابانيون فقاموا بمحاصرة الكوريين في تجارة الأرز وأخرجوهم من سوق المنافسة فما كان من شونغ إلا أن رجع إلى قريته منكسرا قبل أن يعود إلى سيول من جديد بعزيمة أقوى و فكرة أخرى وتصور مختلف إذ قرر أن يقتحم ميدان إصلاح السيارات . في هذه الاثناء تزوج شونغ امرأة عن حب كبير وكانت زوجته تعمل وكان يتعبها التنقل الى العمل وهي تسوق دراجة هوائية ففكر شونغ في تحويل الدراجة العادية إلى دراجة تعمل بمحرك وبدأ في تصميم محرك توصل إليه بعد محاولات عدة. منذ تلك اللحظة بدأ في الاشتغال على إصلاح السيارات القديمة وشيئا فشيئا بدأ شونغ يكتسب مزيدا من المهارة والخبرة إلى أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وخرج اليابانيون من كوريا وحصل ما لم يكن متوقعا وانقسمت كوريا في وقت كان الشعب يحتاج فيه إلى وحدة كامل أراضيه خاصة وأن الاستعمار الياباني ترك بلدا منهكا وشعبا فقيرا ووضعية اقتصادية صعبة بعد أن دمرت الحرب كل مقومات النهضة وزاد الأمر سوءا بغياب أي موارد يمكن الاعتماد عليها. في هذه الأوضاع الصعبة قرر شونغ بعد انتهاء الحرب الكورية سنة 1953 وتثبيت الحدود بين الكوريتين إنشاء مصنع للسيارات اطلق عليه إسم " هونداي " الذي يعني في اللغة الكورية " الوقت الحاضر" في دلالة إلى أن الظرف يحتاج من كوريا أن يكون لها صناعتها الثقيلة. وظف شونغ كل خبرته التي اكتسبها من إصلاح السيارات القديمة مستحضرا حبه لزوجته الذي دفعه إلى صناعة محرك صغير مكن الدراجة الهوائية من أن تتحول إلى دراجة نارية ما سهل عليها التنقل للعمل بسرعة فكانت البداية مع تجميع سيارات " فورد " القديمة ومعها بدأ العمل و التفكير والتصميم وفي أقل من عشر سنوات تمكن في سنة 1975 من صناعة أول سيارة كورية أطلق عليها اسم " هونداي بونيي " ومن هنا بدأت نهضة كوريا التي وجدت فيها الحكومة الكورية الطريق لبناء اقتصاد قوي مكنها من أن تضع لها قدما في نادي الكبار وتحولت كوريا الجنوبية من بلد فقير لا يملك تقريبا شيئا إلى عملاق من عمالقة العالم ونمرا من النمور الآسيوية ورابع قوة اقتصادية في العالم . لقد حول حب امرأة كوريا إلى بلد متقدم وصنع هذا الحب نهضة كوريا الحديثة فشونغ جو يونغ تمكن من صنع المحرك الكوري الذي أنتج بفضله السيارات الكورية قبل أن ينتقل إلى البواخر والطائرات التي اصبحت تعمل بمحرك من صنع محلي ولم تعد تحت رحمة التكنولوجيا الأجنبية بعد أن ملكت ناصية العلم. ما نستفيد به من هذه القصة التي صنعت نهضة كورية الجنوبية هو أن هذا الكوري الذي كان أحد الذين صنعوا تقدم كوريا الجنوبية قد فهم أن الأمم لا تتقدم إلا إذا ملكت ناصية العلم الحديث وتمكنت من السيطرة على التكنولوجيا المعاصرة وتقدمت بها بمزيد من الابتكار. لقد فهم هذا الكوري أن الطريق إلى الريادة هو صنع المحرك الذي شغل المصانع وكان سبب نهضة أوروبا و حرك الآلة التي كانت تشتغل بالأيدي وبالفحم الحجري وبالطاقة المائية والهوائية لقد فهم أن كوريا إذا أرادت ان تخرج من تخلفها فإنه عليها أن تصنع المحرك وأن يكون لها محركها المحلي، وتحقق الحلم بأن صنعت كوريا سيارتها ذات المحرك الذي صنع في مصانعها المحلية لقد فهم أن العصر الذي تحيا فيه كوريا وأن الزمن الذي تعيش فيه هو زمن من يمتلك ناصية العلم ويسيطر على التكنولوجيا وأن الزمن الحاضر يفرض أن يكون لكوريا المحرك والسيارة والقطار والباخرة والطائرة التي تعمل بالمحرك الكوري لقد فهم أنه من دون محرك يصنع في كوريا فإن هذه الأخيرة لن يكون لها مكان بين العمالقة الذين يملكون العالم ويتحكمون فيه .. لقد مكن حب رجل لامرأة كورية من تغيير وجه كوريا ومن صنع نهضتها وتقدمها لقد كان حب امرأة سببا في أن يكون لكوريا الجنوبية محركها الذي حركت به الآلة وتحولت في بضع سنوات إلى رابع قوة في العالم . فهل فهمنا الدرس واستوعبنا التحدي وهو أنه من دون علم ومن دون محرك لن ننهض ولن نتقدم . ما نتعلمه من هذه القصة أنه لا يمكن لك ان تحلم وتتخيل من دون سند ومن دون إرادة صادقة وحقيقية وشونغ جو يونغ قد وجد السند والدعم الكبيرين من حكومته التي آمنت به .. ما نتعلمه من هذا الكوري هو أن لكل وضعية صعبة مخرجا والمستحيل لا مكان له متى توفرت الارادة والعزم وقديما قال القائد حنبعل " هناك حل وسوف نجد الحل " وإن كان من يحكمنا اليوم مع الأسف قد قتل في الكثير من شبابنا الحلم والخيال والإبداع.