استضاف الصحفي زهير الجيس لبرنامجه - بوليتيكا- بإذاعة جوهرة اف آم أمس النائبَ المنجي الرحوي . ولقد كانت المحاورة ممتازة لما لمنجي الرحوي من فهم ومن قدرة على التعبير ومن وطنية وجرأة . وبالنسبة لي مجرد قبول الرحوي لهذه الإستضافة رفع من مصداقية هذه الإذاعة! ولقد تأكد هذا اكثر بنوعية الأسئلة المطروحة التي اظهرت براءة الإذاعة من المتاجرة ومن شهادة الزور( الى حد الآن على الأقل!) وطبعا منجوي الرحوي هو بدوره إستفاد من الفرصة لتوضيح حقيقة الجبهة الشعبية والدفاع عنها وكشف ما يحوكه ضدها المنافقون الصائدون في الماء العكر الذين يعبثون بعقل الشعب وبعواطفه ،ومن ذالك خاصة حين بيّن تركيبة لجنة المالية التي هو رئيسها ( فهي متكونة من 22 عضو، لكن من بينهم 9من النداء و7 من النهضة!!!) لكنني استنكرتُ عليه في آخر الحصة اجابته عن سؤال في كيفية تصوّر الإصلاح حيث قال " على الشعب أن ينتخبنا ويعطينا الأغلبية وعندها ستكون الإصلاحات" فرغم أنني مقتنع بقدرة الجبهة الفعلية في الإصلاح لكن سي الرحوي يبدو أنه لا يعلم بما وقع فيه الشعب من مغالطات حزبية وايديولوجية وخاصة بإسم الدين أو باسم الرموز الوطنية ( ومن ذلك بورقيبة الذي بعدما تخلوا عنه في الإقامة الجبرية لفائدة عصابة الطرابلسية وكبرتهم La Régente de Carthage الآن عادوا إليه بكل صفاقة وإنتهازية وقلة حياء كأنما بورقيبة أبوهم وحدهم أما نحن ف"بني قينقاع"!) وإثر المحاورة مباشرة اتصلتُ بالإذاعة وقدمتُ تعليقا أهم ما قلت فيه :منجي الرحوي بهذا الطلب يذكّرنا بذلك المتطبّب الذي اشترط لعلاج مريضه "حليب الدجاجة" ! ألم يكن اولى بالرحوي ان يقنع القوى الوطنية بالإتحاد بدل أن يطلب من الشعب "الإيمان به"؟؟ ألا يعلم الرحوي بالشعب الذي اضاع البوصلة فصار معبثًا لأمواج الاحزاب والمنافقين؟؟( هذا ناهيك عن أن ثلاثة ارباعه صارت غير معنية بالسياسة وبالإنتخابات أصلا).. ...لقد كتبتُ شخصيا في هذا الموضوع عدة مقالات اذكر منها المقال الذي نشرته الصريح مطلع نوفمبر2017 تحت عنوان: لا مستقبل للبلاد إلا بوحدة المعارضة .. وفي الشروق كتبتُ يوم تكليف يوسف الشاهد المقال : الزّعامتيّة ..وأيضا : دعوة الى توحيد اليسار والقوميين! لكن لا حياة لمن تنادي ( هذا البيت لعمرو بن معد يكرب وفيه يقول : قد اسمعتَ لو ناديتَ حيّا*لكن لا حياةَ لمن تنادي...ولونارٌ نفختَ بها أضاءتْ** ولكن انتَ تنفخُ في رمادِ...إلخ..) !أنا أطرح هذا السؤال على منجي الرحوي: لمذا الشعب "صابر"على وضع أسوأ بكثير من زمن بن علي؟! ماهو تفسيرك لهذا "الصبر"؟؟ وإذا لم يجد سي المنجي تفسيرا ( ولن يجد، لأنه بداهة وكما يقول المثل " الجمل لا يرى عوج رقبته" ) فها هو التفسير الصحيح لهذه المفارقة: الشعب في الحقيقة غير صابر،فقد قام ومازال يقوم بعدة احتجاجات وحتى انتفاضات لكنها دائما تفشل،وهذا نتيجة تقسيمه الى احزاب مصداقًا للقاعدة الإستعمارية- فرّقْ تسدْ-!.فالشعب الذي كان متماسكا كالحبل الآن قطّعته الأحزاب بينها لهذا شبر وللآخر شبران وهكذا..وهذا الوهن واليأس يذكّرنا بما كتب مخائيل نعيمة ( وقد ترجمها عن الروسية) : يا نهرُ هل نضبتْ مياهك فإنقطعتَ عن الخرير* أم قد هرمتَ وخار عزمُك فانثنيتَ عن المسير؟!..وكذلك الشابي: أين يا شعبُ قلبُك الخافقُ الوثّاب* أين الطموحُ والأحلامُ ؟ أيُّ عيشٍ هذا وأيّ حياة*رُبّ عيشٍ أخفّ منه الحِمامُ؟! .. إنّ أقصى وطنية رأيناها منكم "كمعارضة" هي صراخكم التلفزي والبرلماني بمزاعم"الإنحياز لقضايا الجماهير"،فلو كنتم صادقين بحق لإنسحبتم حتى من البرلمان،لكنكم اكتفيتم بذر الرماد في العيون تنتحبون مع الراعي وتأكلون مع الذئاب!..اليوم الشعب ادرك بالمحسوس والملموس ان ما يسمى "ديمقراطية" أسوأ مليون مرة من الدكتاتورية فهو كمن "هرب من القطرة فوقع تحت الميزاب"!.. إنها احزاب كلها انتهازية (216!) فهي لا تستحي من الركوب على ثورة الشعب الذي بعدما انجز المهمة متحدًا جاءت لتقسيمه إربا إربا!...فحتى التجمعيون مقارنة بالموجد الآن يعتبرون " شرفاء وملائكة" بدليل ما تشهده البلاد من انتشار واسع للثورة المضادة التي صار فيها المطبلون والمناشدون "قادة ثورة"!!..فهل من مهزلة بعد هذه المهزلة !؟( لكن اليس هذا بسبب سخافتكم وزعامتيّتكم وانانيّتكم وأمراضكم الأيديولوجية!؟) إذا جاز لنا ان نعترف بفضل الدكتاتوريين، ومنهم المخلوع بن علي،ففضلهم بكل تأكيد هو : توحيد الشعب! فالدكتاتور له فضل توحيد الشعب عكس الديمقراطية المزعومة، التي بسبب الفوضى والتجاوزات والهمجية التي تحدثها، تكون النتيجة الخطيرة : كره الشعب لبعضه ولبلاده ! ( والله العظيم لو يدخل اليوم علينا الإستعمار ربما لن يجد من يتطوع لمقاومه، وإنما لمناصرته!..لقد كره الشعب بعضه الى أقصى درجة!...ولذا فأنا انبّهك يا سي المنجي الى أنه : اصعب شيء هو إنقاذ شعب وقع في مستنقع " الديمقراطية"! إنه السقوط الخطير الأكبر!!! ختاما هذا هو تصوري للحل،وهو في ثلاث نقاط : 1- إمّا بالوفاق المطلق بين جميع التيارات الستة الموجودة( اليسار، القومييون، التيارات الديمقراطية،الإسلاموِيون، التيارات الدستورية، الليبراليون) بمعنى تقسيم البرلمان على 6 دون انتخابات،والإبقاء فقط على الرئاسية لضعف صلاحياتها ( انظر مقالي: الصريح، ما أشبه الليلة بالبارحة) أوعلى الأقل توحديد تيارات المعارضة الثلاثة الأولى، لكن بشرط أن لا يكون بطريقة فوقية وإنما بالدعوة الى مشاورات وحوار وطني موسّع! 2-إذا رفضت الأحزاب هذا الوفاق وأصرّت على الشراهة والمغالبة الإنتخابية التي دمرت البلاد، فالحل يكون ب -هيئة وطنية- غير متحزبة ينتخبها الشعب ويترك جميع الحزبيين وأحزابهم .. انظر مقالي منذ سنتين : الشروق، هيئة وطنية!) 3- أما إذا لم تتشكّل هذه "الهيئة الوطنية" فالحل الثالث هو الجيش!.. لكن الجيش لن يجازف ما لم يضمن مساندة الشعب له عبرمختلف الوسائل والوسائط ...(وطبعا حكم الجيش لن يكون أبديّا وإنما لمدة زمنية معلومة،10أو15 سنة،ريثما يموت أو يهرم هؤلاء الموبوؤون بالزعامتية والصبيانية الأيديولوجية!)