لقد تعجبت للضجّة الكبرى التي أثارها مرزوق إثر الوقفة الاحتجاجيّة التي نفّدها "أنفار " من حزبه أمام إدارة "السياب" بصفاقس ذلك أنّنا لم نشاهد صداما ولا دماء ولا تدخّل أمني بالغاز ونحن في زمن توثّق فيه كلّ الأحداث بالصوت والصورة من الإعلام الرسمي أو من الهواة عن الطريق الهواتف الجوّالة0وليس معنى هذا أنّي أبرّر ما وقع مهّم كان حجمه لكن الذي لم أفهمه هو أن يقوم مرزوق بتلك الحملة الإعلاميّة على الإتّحاد ويصفه بما لا يمكن أن يصدّقه عاقل من النعوت .فماذا كان إذن على مرزوق أن يفعل في هذا الوضعيّة ؟ في رأي المتواضع لو لم تكن هنالك خلفيات كان على مرزوق وقد صدر ما ادّعاه من عنف تجاه أنصاره من جهة صفاقس النقّابيّة أن يكون أوّل ما يقوم به هو طلب موعد مع الأمين العام للإتّحاد العام التونسي للشغل وإعلمه بما وقع في صفاقس ويقدّم له ما بحوزته من أدلّة ثمّ يترقّب ردّة الفعل من المركزيّة النقّابيّة فإن كان ردّ الفعل ايجابي واستنكرتْ المركزيّة ما قام به بعض النقابيّن من جهة صفاقس ووعدتْ بفتح بحث ومعاقبة المذنبين إن وجدوا فإنّ ذلك يكون بمثابة الإنصاف لحزب لمشروع وتبقي على العلاقة مع الإتّحاد كما من المفروض أن تكون بين حزب اجتماعي تقدّمي ومنظّمة صامدة للمحافظة على التوازن في المجتمع ومستعدّة للدفاع على كلّ المكاسب بوزنها التاريخي و حضورها الوازن في الحياة اليوميّة .فلماذا غاب هذا التمشّي على مرزوق واندفع للصدام مع الإتّحاد؟ فمن وجهة نظري التي تلزمني وحدي كان على مرزوق وهو يريد التسريع بتنفيذ قرار غلق ال"سياب"أن يقوم بالوقفة الاحتجاجيّة أمام رئاسة الحكومة صاحبة قرار المتأخّر في الغلق والمعنيّة بالاحتجاج .ولمن يجيبني بأنّ الحزب حرّ في أن يحتجّ كيفما ريد و أينما يريد أجيب هذا صحيح ومن حقّ الحزب أن لا تصادر رغبته في الاحتجاج وكلّ ما أقصده هو أنّه أخطأ المرمى.ثمّ إنّ مرزوق وحزبه هو من مكوّنات الحكومة فرئيس الحكومة ليس غريب عنه ولا بعيدا منه فكان يستطيع أن يتحدّث مع رئيس الحكومة حول هذا الموضوع ويصدر بيان يوضّح فيه موقف حزبه من هذه القضيّة وإن هو لم يفعل هذا وخيّر الاحتجاح على "حكومته" فله ذلك فالدستور يضمن حريّة الإحتجاج وحتّى قطع الطريق. فلماذا ذهب مرزوق مباشرة لصفاقس وللاحتجاج أمام مقرّ"إدارة "السياب"ولم يسلك إحدى الطرق التي ذكرتُها والتي هي أقرب لتوجّهات حزبه إذ هو في المُطلق ليس حزب وقفات واحتجاجات بل هو حزب حوار ومواقف؟ بينما كنت أبحث عن أسباب هذه المواقف من حزب مرزوق تذكرتُ قصّة الأيام لطه حسين حيث يقول له والده وكلّ العائلة على مائدة الأكل "ما هكذا تأخذ اللقمة يا بنيّ"ذلك أنّ مرزوق اليوم أمام لقمة أولى وعاجلة يريد التقاطها وهي الوزارة الشاغرة التي يطمح الحزب في الفوز بها لذلك جاءت هذه الوقفة وخاصة هذا التهجّم على الإتّحاد تقرّبا للشاهد وحكومته إذ أي هجوم على الإتّحاد-في نظر مرزوق- لا يمكن أن لا يستصيغه الشاهد خاصة عندما يُنْعَتُ الإتّحاد بالمليشيا والمرتزقة. أمّا لقمة الثانيّة وهي التي يترقّبها مرزوق ويخشى أن تضيع منه أمام كثرة طالبي ودّ الشاهد وحزبه الذي يقول القائمين عليه ولد كبيرا ذلك أنّ مرزوق يطمح أن يحقّق طموحاته التي فشل في تحقيقها مع النداء والتي لا يمكن أن تتحقّق مع حزب بحجم المشروع وهي في حاجة لحزب الشاهد فكانت الوقفة والهجمة على الإتّحاد من بين شواهد الإخلاص والتعبير عن المساندة المطلقة ذلك أنّ منصبا يلي منصب الشاهد في الاستحقاقات المقبلة قد يرضي بعض طموحات مرزوق الجامحة لذلك أقول له" في نفس السياق الذي قاله والد طه حسين لابنه أي سياق التأنيب والزجر ممّا جعل طه حسين يقسم أن لا يجلس على مائدة العائلة طول حياته." من حقّك بعد أن أسقط حافظ قائد السبسي لقمة نداء تونس من فمك أن تبحث على لقمة أخرى لكن بعزّة وكرامة لا بالتمسّح إذ" ما هكذا تأخذ اللقمة يا مرزوق" ولتتذكّر يا مرزوق وأنت تمتهن السياسة بيت الشاعر عنترة بن الشداد الذي يتحدّث فيه عن كأس العزّة وكأس الذلّة حتّى لا تختلط عليك السبل حيث يقول: لا تسقني ماء الحياة بذلّة بل فاسقني بالعزّ ماء الحنظل ماء الحياة بذلّة كجهنّم وجهنّم بالعزّ أطيب منزل