ما تزال حادثة او فاجعة او مأساة السبالة التي راح ضحيتها خمسة رجال وسبع عاملات ريفيات محل تعاليق ومحل انتقاد وغضب وسخط وتبرم الافراد والجمعيات والمنظمات والسياسيين والسياسيات من هذه الحكومة واعتبارها المسؤول الأول على تدهور مثل هذه الاحوال ومثل هذه الوضعيات ... وبعد الترحم الواجب الأكيد على هؤلاء الضحايا وهؤلاء الضحيات في هذه الفاجعة وفي هذه الماساة فانني اريد ان اقول وان اذكر من باب قول رب العالمين وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ان اغلب هذه التعليقات التي سمعناها وقراناها والتي انتشرت وغزت وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وحبرت ودونت وسجلت كذلك في الأوراق وفي القراطيس وفي الصفحات كانت في حقيقة وباطن وماهية اغراضها وغاياتها سياسية اكثر منها مساندة اوتعاطفا او تالما حقيقيا بسبب ما وقع لهؤلاء العملة وهؤلاء العاملات رحمهم الله خالق البشر وغيرهم من الكائنات ورب الأرض ورب السماوات... ودليلي وحجتي وبرهاني على صدق ما اقول لا يغفل عنه من سلمت مداركهم ومن رجحت عندهم ملكة الادراك ونعمة العقول... فلو ارجعنا قليلا عقارب ذاكرتنا الى الوراء لتذكرنا ان برنامج سامي الفهري المعروف في قناته الحوار تحت عنوان (حكايات تونسية) قد قدم في شهر فيفري الفارط وما بالعهد من قدم حكاية من الحكايات عن الواقع التعيس المرير الذي تعيشه بعض النساء التونسيات الريفيات الكادحات العاملات وقدم فيه صورة من حياة تلك العاملة الكادحة الريفية التي تقطع يوميا على متن شاحنة فلاحية هي وزميلات لها مسافة تقدر بالكيلومترات دون ضمانات ودون تامينات قانونية تحفظ لهن ابسط حقوقهن الأساسية الحياتية...وقد كنت كتبت بعد هذا الحلقة التاريخية مباشرة ودون تاخير او طول تفكير وبتاريخ التاسع عشر من فيفري من هذا العام وفي صالون الصريح بالتحديد وبالذات مقالا تحت عنوان(هؤلاء هن حرائر تونس والا بلاش) ذكرت ووصفت فيه حالة هذه المراة الكادحة المناضلة وغيرها من المناضلات الحقيقيات اللاتي ينتقلن الى مقر عملهن في أرادا ظروف واخطر اوضاع وسائل التنقلات التي لا تليق ولا تتناسب مع حقوق الانسان و ابسط حقوق بقية المخلوقات مقارنة بظروف واحوال غيرهن من النساء المحظوظات المترفات اللاتي يركبن افخر واعظم واشهرواثمن انواع السيارات و يقضين اغلب فترات ايامهن وشهورهن في المقاهي والصالونات والنوادي وغيرها من اماكن اللهو واضاعة او قتل الأوقات... ولكنني في المقابل لذلك لم اقرا اي مقال ولم اسمع اي صوت فردي او جماعي سياسي او جمعياتي يدعو الحكومة الى الالتفات الى هذه الأوضاع النسائية الريفية التي تتطلب حلولا عاجلة فورية بل كل هؤلاء الحقوقيين والسياسيين وهؤلاء الجمعياتيين الذين فزعوا وهرعوا وتجمعوا وتوحدوا وتكتلوا اليوم للحديث والدفاع عن حقوق عيش وكرامة هؤلاء العاملات الريفيات المعذبات قد مروا على تلك الحلقة مرور الكرام او مرور النيام ولم نسجل لهم اي استغاثة واي تعليق واي تنديد ولم نر لهم اي حراك ولم نسمع لهم اي كلام...اما اليوم وقد وقع كما يقول حكماء الناس الفاس في الراس بحدوث هذه الفاجعة وهذه الماساة فقد تحرك متاخرا ما خلقه الله فيهم من الشعور ومن العطف ومن الاحساس انطلقت وتسابقت وتهافتت و انفجرت وزلزلت وبحت أصوات من هنا ومن هناك منددة ومشهرة وساخطة على صمت الحكومة وغفلتها عن معالجة مثل هذه الظروف ومثل هذه الحالات... افليس من حقنا والحالة تلك ان نشك في نوايا وفي مقاصد هؤلاء الصائحين وهؤلاء الناعقين وهؤلاء المنددين بصمت وغفلة الحكومة وان نقول لهم في صدق مبين وهل كنتم غافلين اونائمين لما جاءتكم فرصة سابقة وسانحة مواتية بعد ذلك البرنامج المذكور للتنديد بصمت الحكومة وغفلتها عن معالجة ذلك الوضع بحكم مسؤوليتها وبحكم قدرتها على ايجاد الحلول العملية الناجعة لمعالجة وتلافي مثل تلك الأحوال الفاجعة ومثل تلك الأمور...؟ انني لا اجد قولا اومثلا اكثر تعبيرا واقوى بلاغة في كشف حقيقة مشاعر وتفكير اكثر واغلب هؤلاء السياسيين المعارضين المعلقين الساخطين الناقمين اليوم على من تسبب في هذه الفاجعة او هذه الكارثة او هذه الماساة افضل من قول ابائنا واجدادنا رحمهم الله وقد عرفوا امثال هؤلاء الناس في قديم وسالف الزمن (الصيف ضيعت اللبن) وقولهم الجميل البليغ الدقيق الفاضح الشارح( لو كان جا فالح راهو جا من البارح) او بتعبير اهل اللغة العربية الفصيحة الصادحة(لو كان صادقا وذا نية صالحة لتكلم ونطق منذ الأمس اوالبارحة)