هذا المقال تم نشرها بجريدة الصريح الورقية في ذكرى وفاة الزعيم صالح بن يوسف ونعيد نشره اليوم بمناسبة المحاكمة التي تقام لمحاسبة قتلة المرحوم . تمر بنا هذه الأيام الذكرى 53 لحادثة اغتيال الزعيم الوطني صالح بن يوسف وتحديدا في يوم 12 أوت من سنة 1961 ومع اقتراب موعد هذه الذكرى يعاد من جديد ذلك النقاش القديم الجديد حول العلاقة المتوترة بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف ويعاد السؤال القديم من قتل بن يوسف؟ وهل تورط بورقيبة فعلا في حادثة الاغتيال ؟ وهل كان هو من أمر وأعطي الإذن بذلك ؟ ورغم أن الكتابات التي كتبت حول هذا الصراع المدمر الذي عاشت على وقعه البلاد أحداثا خطيرة في أوائل الستينات من القرن الماضي قد رجحت أن يكون الزعيم بورقيبة وراء عملية الاغتيال بعد أن احتد الصراع وبات من الواضح أن أحد الزعيمين لا بد أن يقتل الآخر وأن الحالة قد وصلت إلى حد أنه لا يمكن أن يتعايش الاثنان معا. ورغم أن الرواية المعروفة والمتداولة تقول بأنه في صيف سنة 1961 غادر صالح بن يوسف القاهرة صحبة زوجته متجها نحو ألمانيا للتداوي وبعد حوالي شهرين وتحديدا في يوم 11 أوت وبينما كان يتهيأ للسفر إلى غينيا لحضور مؤتمر الحزب الديمقراطي الغيني بدعوة من الرئيس أحمد سيكو توري اتصل به ابن أخت قريبه البشير زرق العيون وأبلغه أن خاله البشير زرق العيون يرغب في لقائه من أجل ترتيب لقاء بينه وبين الزعيم بورقيبة فوافق على الفكرة وتم الاتفاق على الساعة وعلى الفندق وهو فندق رويال في فرانكفورت الألمانية. ولما وصل صالح بن يوسف في الموعد المحدد صعد الغرفة أين وجد ابن أخت البشير زرق العيون ولم يجد هذا الأخير ولما استفسر عن غيابه أجابه بأنه في الطريق إلى الفندق فجلس صالح بن يوسف على كرسي ينتظره وفجأة حرج رجلان من غرفة الحمام التي كانت خلفه وأطلقا عليه طلقات من مسدس كاتم للصوت فأردياه قتيلا واختفيا عن الأنظار وقد اتضح فيما بعد أن البشير زرق العيون هو من دبر هذا الاغتيال ورتبه وأن من نفذ الاغتيال كانا ضابطين من الجيش التونسي وهما محمد الورداني وعبد الله بن مبروك . وتقول بعض الراويات أن البشير زرق العيون قد ذهب إلى بورقيبة بعد نجاح المهمة وقال له " إذا أزعجك أحد في الغرب أو في الشرق فأنا موجود " قلت رغم أن الكثير من المهتمين بتاريخ تونس والكثير من الذين ألفوا في الخلاف البورقيبي اليوسفي قد انتهوا إلى نتيجة وهي أن الزعيم الحبيب بورقيبة هو من كان وراء حادثة اغتيال صالح بن يوسف بعد تكليف البشير زرق العيون بهذه المهمة إلا أن الرواية التي صرح بها الطاهر بلخوجة تستحق أن ننتبه إليها وتستحق أن نوليها عناية كبيرة وهي رواية رواها سنة 2001 ونشرتها مجلة حقائق في عددها عدد 799 بتاريخ 25 أفريل 2001 بناسبة حوار أجرته معه. يقول الطاهر بلخوجة لقد عاشت البلاد في وسط الخمسينات من القرن الماضي على وقع فتنة مدمرة وبوادر حرب أهلية بين أنصار بورقيبة وأنصار بن يوسف وبالتزامن مع ذلك حصلت اغتيالات على يد عصابة اليد الحمراء ذهب ضحيتها الكثير من التونسيين وحصلت محاولات إغتيال لبورقيبة كان وراءها بعض اليوسفيين مثل محاولة اغتياله بمناسبة زيارته لمركز الطفولة سنة 1957 وحادثة المسرح البلدي بجربة في سنة 1957 وحادثة أخرى بعين دراهم سنة 1958 كما حصلت اضطرابات كثيرة كان المتسبب فيها في جانب كبير منها جماعة بن يوسف فبعد سفر هذا الأخير مع الطاهر الأسود إلى مصر ثم ليبيا وقد كان البعد العسكري حاضرا قي سياسيتهما التحق اليوسفيون بالجبال وبمناطق أخرى وحدثت تفجيرات يذكرها كل من واكب ذلك الصراع وقد كان ردّ الحزب وقتها قويا وعنيفا تشهد على ذلك أحداث " سباط الظلام " الموجود في منطقة باب بنات بالعاصمة وهو مكان كان يعذب فيه أنصار صالح بن يوسف وهي تصرفات مثلت نقطة سوداء وأسوأ ما عرفته تونس في تاريخ الحركة الوطنية فبورقيبة لم يكن على حق وكذلك كان بن يوسف ولكن ما رجح كفة بورقيبة في ذلك الصراع هو أن كبار السياسيين من أمثال الطيب المهيري والمنجي سليم ومحمد المصمودي وأحمد المستيري وقفوا مع بورقيبة وساندوه. وبخصوص حادثة الاغتيال فقد ذكر الطاهر بلخوجة تفاصيل مختلفة عما هو معروف في الكتب التي أرخت للحركة الوطنية حيث ذكر أن لا أحد اليوم بإمكانه أن يجزم أو يؤكد أن بورقيبة هو من كان وراء عملية الاغتيال وذكر أن الصادق بن حمزة هو الذي نظم اللقاء بين البشير زرق العيون والطالب بن تربوط وأن عبد الله الورداني هو من نفذ العملية وحجة بلخوجة في أن بورقيبة لم يكن هو من أعطي الأمر باغتيال يبن يوسف هي أنه خلال مسؤلياته بوزارة الداخلية من سنة 1967 إلى سنة 1987 لم يشعر لحظة واحدة أن بورقية تحركه عقلية الاغتيال أو يأمر بذلك ورجح أن يكون اغتيال بن يوسف هو تصرف وتجاوز مفرط من الحاشية التي كانت تحيط ببورقيبة لكن الثابت أن بورقيبة تبنى العملية بعد وقوعها واحتضن القتلة وهذا موقف يعد خطأ سياسيا من قبل بورقيبة فالحاشية التي كانت تحيط بالزعيم بورقيبة كانت منفلتة ومتهورة فعلى إثر احتدام الصراع والخلاف بين الحكومة واتحاد الشغل في أواسط السبعينات من القرن الماضي أخرج الورداني ذات مرة في سوسة مسدسه ووضعه فوق الطاولة وقال "هذا المسدس الذي قتلنا به صالح بن يوسف يمكن أن نقتل به الحبيب عاشور مما زاد الأزمة توترا سنة 1977 كما تبين أن الصادق بن حمزة كان وراء العديد من المؤامرات إذ تبين أن له علاقات مريبة وكان محميا من أعلى مستوى في وزارة الداخلية وقد ألقى عليه القبض سنة 1968 عندما كنت مديرا للأمن و أفرج عنه دون محاكمة بعد إقالتي من الأمن الوطني. عدنا إلى هذه الشهادة المتعلقة بحادثة الاغتيال التي تعرض إليها الزعيم صالح بن يوسف ورجعنا إلى ما قاله الطاهر بلخوجة حول عملية اغتياله لأننا نعتقد أنها شهادة مهمة وأهميتها تكمن في كونها صادرة من أحد رجالات بورقيبة المقربين وأحد الوزراء الذين خدموا الدولة في أيامها الأولى بمعنى أنه أحد الذين عايشوا ذلك الصراع المدمر بين الزعيمين وكانوا على قرب من أحداث البلاد المؤثرة وعاصر الرجلين وهي شهادة تحتاج إلى المناقشة والمحاورة والاهتمام بها خاصة وأنها جاءت مخالفة في بعض تفاصيلها لروايات كثيرة عن حادثة الاغتيال والتي نجدها في مؤلفات عديدة على غرار الرواية التي يذكرها الكاتب الصافي سعيد في كتابه " بورقيبة : سيرة شبه محرمة "