عندما كانت الحكومة بمناسبة نقاش الميزانية في أوخر العام المنقضي ، تبشر بالعودة إلى نسبة نمو متحسنة ، تقطع مع الوضع السابق السيء ، بحوالي 2.8 في المائة ، لم يكن الكثيرون يصدقون ، فالأفق لم يكن يبشر بذلك ، وعلى ذلك الأساس كانت الحكومة سخية ، في صرف زيادات للقطاعين العام والخاص والوظيفة العمومية ، بعد تمنع وتحمل حالة إضراب عام ، رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي ، ومشاهدتها الوعود الممقطوعة لعدم زيادات الأجور، وعلاج قطاع الدعم والهدر المصاحب له ، وباعتبار نكوص الحكومة عن تعهداتها فإن الصندوق فكر طويلا قبل أن يقبل وبإلحاح تونسي كبير، أن يصرف قسطا آخر من القرض الموعود ، مفتاح الحصول على قروض أخرى من جهات دولية . كان القول الحكومي إن البلاد خرجت من عنق الزجاجة ، وهي على طريق سالك للنمو ، وكانت اللهجة تبدومتفائلة ، غير أن خبراء ممن أثق بهم وتقارير البنك المركزي لم تكن متفائلة ، وبقيت بين بين ، من أصدق ، وإذ لم يكن صندوق النقد الدولي بمثل هذه النظرة التفاؤلية ، فإن خبراءه كانوا يروجون لنسبة نمو ضعيفة ، ولكن غير حادة كما رأينا لاحقا، شخصيا وبعد كل هذا كنت أنتظر نسبة نمو للثلاثية الأولى بحوالي 2 في المائة ، أما أن تبرز نائج تلك الثلاثية نسبة نمو لا تتجاوز 1.1 في المائة ، فإنها كانت كجلمود صخر سقط علينا من علي ، على رأي الشاعر الجاهلي. نسبة النمو متدنية لهذا الحد ما تعني للذين لا يدركون ، تعني استثمارات أقل ، وتوفير فرص عمل أقل ، ودخول المرحلة التي تسبق الانكماش أو الركود الاقتصادي. لست غراب البين لأبني على الشاؤم تشاؤما أكبر ، ولكني أعرف والكثيرون يعرفون ، أننا في أزمة حادة ، وأن الوعود الواعدة بقرب الخروج من عنق الزجاحة لم تكن في محلها ، وأن العام 2020 لن يشهد العودة إلى نسق نمو قريب من الطبيعي ، والطبيعي في نظري شخصيا وباعتبار إمكانياتنا الكامة هو ما بين 5 و7 في المائة ، كما في مصر وكما في أثيوبيا دون الحديث عن رواندا التي تحقق نسب نمو برقمين أي أكثر من 10 في المائة ، أو حتى السينغال أو ساحل العاج ،حيث أخذت الإصلاحات تؤتي أكلها ، ونسب النمو العالية تمكن من توفير الكفاية ما يمكن من استثمارات منتجة مباشرة ، وبالتالي احتواء البطالة ، والحد من آثارها المدمرة ، فاليد العاملة العاطلة لا تنتج ، وهي بطبيعة الحال مستهلكة ، سؤال كيف سيكون المستقبل ، في ظل إكراهات كثيرة ، منها الارتفاع المرتقب في أسعار البترول في السوق الدولية في ظل التطورات والأحاث الأخيرة ، والآثار المدمرة لانهيار الدينار ، الذي من المفروض إن يقلص التوريد ، ويعطي دفعة للتصدير ، ولكن ماذا نصدر ، والمواد غير الفلاحية من زيت زيتون وتمور وحمضيات وأسماك ، تتأرجح بين الاستقرار والتراجع فيما التوريد يواصل نسق بلاد غنية، وحتى الخدمات ليست في أحسن أحوالها ، ونقص السيولة ، وكف البنوك عن تمويل القروض الاستهلاكية ، خصوصا بعد نضوب السيولة عندنا لسحوبات الدولة التي استدارت للسوق المالية المحلية فتحلبها حتى يتحول حليبها إلى دم الحياة ، تراحع الاستهلاك يهدد أحد روافع النمو والرافعة الوحيدة الباقية أي الإستهلاك ، وإن كنا لا نستهلك ما ننتج ، دليل ذلك انخرام توازن الميزان التجاري الذي يزداذ ثلاثية بعد ثلاثية ولم ينفع معه علاج ، بعكس كل ما قيل فإن الوضع الاقتصادي يزداد سوء ، كما التوازنات المالية المنخرمة . وكل الأمل أن لا تكون نسبة 1.1 في المائة هي قدرنا المقبل ، هذا إذا لم نصل إلى ما وصلته تركيا من انكماش ثلاثية بعد ثلاثية ، وهي الحالة التي وصلناها سنة 2011 ، والتي يصعب الخروج منها. أما الأمل في عودة المواطنين للجهد والعمل فقد أصبنا باليأس منها. في انتظار أن نواجه أياما أصعب تبدو الأوضاع الحاية لا شيء أمامها . [email protected]