رزئت حركة النهضة في احد ابرز قادتها التاريخيين الأخ د.عبد الرؤوف بولعابي عالم الاجتماع ، اصيل مدينة هي رمز من رموز النضال التاريخي ضد الاستبداد مدينة تالة ، عرفته في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي الجامعة التونسية، كلية العلوم، مناضلا طلابيا في الصف الاول، قائدا للحركة الطلابية الاسلامية الناشئة والتي تصاعد مدها في مواجهة الاستبداد السلطوي من ناحية واستبداد الجماعات الشيوعية الراديكالية التي فرضت بالقوة الغاشمة احتكارها للساحةالطلابية ومواجهة كل محاولة للتعبير والتجمع خارج الفريق المسيطر ، حتى أقصى بعضهم بعضا بذريعة الحرص على الصفاء الأيدولوجي تحت شعار "لا حرية لاعداء الحرية"، وبعد لأي ومعارك طاحنة تمكنت الحركة الطلابية الناشئة بقيادة بولعابي وكوكبةمن اخوانه ، من رفع هذا التحدي وكسر هذا الاحتكار رافعين شعارا مضادا "الحرية في الجامعة وخارجها للجميع" خائضين نضالات مريرة في وجه حملة السلاسل.وتكللت النضالات الطلابية الاسلامية في نهاية المطاف من استعادة الانتظام الطلابي الى الجامعة واضعة حدا للفوضى والراديكالية ولم يمنع عبد الرؤوف والفريق المناضل معه مثل محمد ابن نصر(استاذ فلسفة الان)وعلي العريض وعبد العزيز التميمي والازهر عبعاب...... لم يمنعهم الصراع مع اليساريين الراديكاليين من الاطلاع على الفكر اليساري الاجتماعي ومتابعة الصراعات الدولية بين قوى التحرر وقوى الهيمنة والاستعمار ، مما كان له اثر في تطوير فكر وخطاب التيار الاسلامي وإغنائه بالفكر الاجتماعي مكتشفين ان الصراع بين العقائد ليس الا وجها من وجوه الصراع و لا يغطي كل ساحات الصراع فهناك صراعات لا تقل حدة، صراعات هيمنة اقتصادية وسياسية وشوفينية ، وبفعل هذه العملية المزدوجةللصراع والتثاقف في الوقت ذاته نجح التيار الطلابي الاسلامي في الجامعة بقيادة عبد الرؤوف بولعابي في ان يمثل جسر تواصل بين التيار الاسلامي خارج الجامعة بمرجعياته التجديدية وبين التيار الاسلامي في الجامعة الذي لفحته موجات تيارات التحديث، لدرجة كاد معها ان يتحول خطابه طلسماً لدى عموم ابناء التيار ، واحتاج هذا الخليط غير المتجانس الى وقت حتى يصفو مورده ويظفر بالقوالب اللغوية التي تناسبه من مثل "اليسار الاسلامي "و"الديمقراطية المسلمة" والاقتصاد الاسلامي والزي الاسلامي للمرأة المسلمة الحديثة ,في توافقية مطلوبة بين قيم الجمال وقيم الحشمة غير ان تطورات الأوضاع في البلاد في نهاية السبعينيات المتسمة بتدهور الوضع الاقتصادي والسياسي وبروز التيار الاسلامي متفاعلا إيجابيا مع المسالة الاجتماعية وبداية تواصل مع الحركة النقابية ومع الحركة الديمقراطية الناشئة، وكذا التفاعل الإيجابي لدرجة الحماس للثورة الإيرانية والإعجاب بقدرات الشعوب على الإطاحة بالدكتاتوريين ، كل ذلك بقدر ما وسع القاعدة الشعبية للنظام بقدر ما ازعجه فنمى لديه وبسرعة المخاوف من التيار الاسلامي الناشئ والمتصاعد فبدأ يوجه مدافعه صوبه بدء باستهداف راس حربته في الجامعة ، لا سيما وقد توسعت القاعدة الطلابية والتحمت بالحركة التلمذية خريف سنة 1981، و قادت الملاحقات الأمنية الى حصول اول انكشاف لتنظيم الحركة (5ديسمبر)ة1980)الذي كان حتى ذلك الزمن سريا ، ولم يفلت من الانكشاف غير تنظيم الجامعة ، فأوكلت اليه قيادة الحركة بما غدا معه الشاب العشريني عبد الرؤوف رئيسا للحركة فتشكلت جبهة ممتدة من الجامعة الى الثانويات تتحرك في الشارع احتجاجا حاشدا ضد السلطة بما مثل تهديدا للأمن وغدا معه عبد الرؤوف ملاحقا امنيا ملاحقة جادة ، استوجبت حمايته بالتخلي عنه رغم انه كان يشاركني سرا وعلي العريض واحمد ابن عمر(طالب) الإعداد للمؤتمر الاستثنائي الذي سينعقد في سوسة ابريل 1981الذي قرر بمبادرة مني الإعلان عن الحركة حزبا سياسيا:حركة الاتجاه الاسلامي بعد استفتاء قاعدي حصل على 70 % من أصوات القاعدة ، وذلك بدل الإمعان في السرية كما تفعل عادة التنظيمات السرية عند انكشافها ، كان رد فعل مبدع وغير معتاد. لم يكن مناص من التخلي عن الشاب الرئيس والعمل على حمايته من الوقوع في قبضة الجلادين، وتم ذلك بنجاح ليستقر ويستأنف دراسته في علم الاجتماع في باريز ومعه ثلة من المهاجرين الأوائل سنة 1981 قبل ان يلتحق به مذاك حتى قيام الثورة المباركة ميئات من اخوانه معظمهم في فرنسا ، الا انهم توزعوا في اكثر من خمسين دولة ، بما جعل الوجود السياسي المهجري للنهضة هو الأقوى من بين الاحزاب والأكثر معرفة باللغات والثقافات الاخرى وتوزعت في العالم لم يضيع عبد الرؤوف في المهجر الفرنسي وقته متحسرا على اقتلاعه من مرابع الصبا، بل سرعان ما التحق بالجامعة ينمي علومه وينهل من منابع الثقافة المعاصرة وفي الوقت اشتغل في مجال الاعلام للدفاع عن اخوانه المضطهدين عاملا على جمع صفوف اخوانه المهاجرين، مسهما بفعالية في تنشئة التنظيم المهجري ، حتى اذا التحقت انا نفسي بالمهجر اثر التزييف الواسع لانتخابات ابريل 1989 وقررت الإقامة خارج البلاد بعد ان تدهورت الأوضاع ، وذلك في اطار توافق مع مجلس الشورى على ذلك وانعقاد اول ندوة(مؤتمر)في الخارج قررت تهجير الحركة لاستحالة التنظيم في الداخل، فانتخبت للقيادة في غيابي سنة 1993، فوقع اختياري لعبد الرؤوف نائبا لي ليتولى كل الشؤون التنظيمية، كما تولى في مرحلة اخرى رئاسة مجلس الشورى وحضر كل مؤتمرات الحركة في الخارج لم يشغل بولعابي نشاطه الحركي والسياسي والعلمي والإعلامي والتعليمي والتجاري عن حقه في اقامة أسرة والقيام عليها ، فقد وفقه الله الى زوجة بلغت من الوفاء درجة نادرة ، الأخت رشيدة، رضي الله عنها ، سواء من ناحية حرصها على تنشئة أسرة باربعة أطفال :معاذ، تقوى، ومنيب وانفصال حفظهم الله ،ام من جهة صمودها مع زوجها خلال سنوات طويلة عصيبة من الخصاصة والنضال، والقيم على خدمة واستضافة ابناء الحركة ، وبلغت معاناتها الاقصى وبالخصوص خلال السنوات الخمس الاخيرة منذ ان أصيب عبد الرؤوف بالمرض الخبيث في فمه -عفاكم الله- فصمدت صمود الأبطال حتى فاضت روح الزوج الحبيب بين أحضانها ، بعد ان استحال عليه الكلام وتوزع ألداء الخبيث في سائر كيانه فأتى عليه ، وهي الحالة التي وجدته عليها حين زرته منذ أسبوعين وكانت زيارة توديع ، رحمك الله رحمة واسعة أيها الرئيس الشاب والمناضل الأصيل ومهاجر الجسم ، مقيم الروح "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عباد وادخلي جنتي"