يوم الخميس 27 جوان المنصرم كان يوما غير عادي في تاريخ تونس المعاصر ولن يكون بالتأكيد يوما كسائر الأيام وذلك بسبب وقوع حدثين كبيرين تزامنا في وقت واحد ليجعلا من هذا اليوم يوما فارقا ويوما له وقعه وتداعياته في المستقبل الأول المحاولة الارهابية الفاشلة التي استهدفت عون أمن تابع لسلك التراتيب البلدية من أبناء الشعب التونسي العاديين وفي استهدافه دليل على التخبط الذي باتت عليه هذه المجموعات الارهابية التي يضيق عليها الخناق من يوم إلى آخر ويتم محاصرتها وتفكيك خلاياها والقبض على عناصرها مما يجعل من الخيارات المتاحة أمامها لاستهداف عناصرنا الأمنية وزعزعة الاستقرار والأمن بالبلاد خيارات ضعيفة وصعبة التحقيق وهذا ما يفسر استهداف عون تراتيب من سلك الأمن. وحتى المحاولة الارهابية الثانية التي حصلت بعد وقت قصير من حادثة شارع شار ديغول بالقرب من ثكنة القرجاني كانت هي الأخرى فاشلة لعدم وقوع اصابات في صفوف أمنيينا. والحدث الثاني هو البلاغ الذي صدر عن رئاسة الجمهورية والذي أعلن عن دخول رئيس الدولة إلى المستشفى العسكري بعد تعرضه إلى وعكة صحية حرجة والذي تزامن مع حصول التفجيرات الإرهابية في كل من شارع شار ديغول وثكنة القرجاني. أول ملاحظة نخرج بها من هذه الأحداث التي حصلت متزامنة هي أن الشعب التونسي قد تمكن هذه المرة من تجاوز وقع الصدمة التي عادت ما تخلفه مثل هذه الأحداث الارهابية فلم يحصل الانهيار والفوضى العارمة التي عادة ما يخطط لها من كان وراء مثل هذه الأعمال الاجرامية حيث تعلمنا من كل الأعمال الإرهابية التي وقعت في تونس منذ الثورة أن لهذه الأعمال الإرهابية هدف واحد وهو إرباك النظام وإحداث الفوضى وإدخال حالة من الذعر في صفوف الشعب وجعل أفراده يعيشون حالة من الخوف والانقلاب على حكومته بعد اتهامها بالتقصير في توفير الأمن وحماية المواطنين غير أنه لا شيء من هذا قد حصل حيث لاحظنا كيف استطاع الشعب التونسي أن يستوعب ما حدث وأن يتعامل معه بكل هدوء وعقلانية في عملية تحصين للنفس هي الأولى من نوعها ليعود الناس بعد ساعات قليلة إلى حياتهم العادية وكأن شيئا لم يحدث وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول بأن الشعب التونسي قد حصن نفسه من كل الاستراتجيات التي يرسم لها الإرهاب وحصن نفسه فلم يسقط في الفخاخ التي ترسمها الجماعات الإرهابية من وراء حدوث مثل هذه الأعمال الإجرامية التي عادت ما تدخل الفوضى في صفوف الناس وتؤدي إلى انهيار المعنويات فيعم الشك والخوف وما يرافق ذلك من أعمال الشغب وارتكاب الجرائم والسرقات ومن ثم يفقد المجتمع توازنه وهو المقصد النهائي من الأعمال الارهابية . الملاحظة الثانية التي يمكن أن نخرج بها مما حصل في ذلك اليوم هو أن التعاطي الحكومي مع كل ما حصل يمكن أن نقول عنه بأنه كان في العموم مقبولا باستثناء البلاغ الأول الذي صدر عن رئاسة الجمهورية والذي وصف حالة الرئيس بالحرجة حيث اعتبر هذا البلاغ خطأ اتصاليا ما كان له أن يقع فقد كان من المفروض أن لا يعلن عن مرض الرئيس وأن لا يذاع خبر دخوله إلى المستشفى في الوقت الذي تحدث فيه عملية إرهابية لخطورة تداعيات مثل هذا الخبر على الناس وعلى معنوياتهم ونفسيتهم. لقد كان من الممكن أن يؤجل الإعلان عن صحة الرئيس إلى وقت آخر ريثما يقع التأكد من نتيجة العملية الارهابية فأمن البلاد وأمن الدولة والشعب يقدم في هذه الحالات على أمن الرئيس والقائم على الدولة . ولكن ما اعتبر خطأ اتصاليا في ارتكابه يمكن أن ينظر إليه بأنه كان عملية اتصالية ناجحة لأن إذاعة خبر مرض الرئيس وما ذيع عن حالته الحرجة التي استوجبت دخوله إلى المستشفى قد أفشل المخطط الإرهابي وأفقد العملية الإرهابية كل مراميها وأهدافها بعد أن تحولت أنظار الناس في الداخل والخارج من الاهتمام بالعملية الإرهابية إلى الإهتمام بصحة الرئيس وأصبح الخبر الأول والرئيسي هو الاطمئنان على حياة الرئيس وصحته وأصبح خبر الإستهداف الإرهابي خبرا ثانويا لم بأخذ حيزا كبيرا في التغطية الإعلامية وبذلك فوت خبر مرض الرئيس على الإرهابيين فرصة زعزعة أمن البلاد وإرباك السياحة وضرب الجهد الكبير الذي بذل لجعل الموسم السياحي لهذا العام موسما قياسيا وناجحا فلم يحصل ما حصل في المرات السابقة ولم تتأثر السياحة بما حدث ولعل ذلك يعود في جانب كبير منه إلى طغيان الحديث عن صحة الرئيس فنسي الناس ما حصل من عملية ارهابية وحولوا اهتمامهم إلى معرفة حقيقة وضع رئيس الجمهورية وصحته. ما هو مفيد اليوم بعد كل ما حصل من أحداث مؤثرة في يوم 27 جوان من صيف العام الجاري البعض أتينا عليه والبعض الآخر تعمدنا عدم ذكره هو أننا قد خرجنا من كل ما حصل بملاحظة مهمة وهي أن الشعب التونسي قد تمكن هذه المرة من تحصين نفسه تجاه كل استراتيجيات الترهيب والتخويف التي تهدف إليها الجماعات الارهابية من وراء ارتكابها أعمالا اجرامية بحق الأمنيين ومنشآتنا الحيوية وهو مكسب علينا أن نحافظ عليه يمثل عنصر قوة هذا الشعب في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها .